أرض الجنة هي على أرضنا هذه.
(وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) [سورة اﻷنبياء 105]،
مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) والذكر بـ الـ التعريف هو القرآن
(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [سورة الحجر 9]
(فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[سورة اﻷنبياء 7]
(أَنَّ الْأَرْضَ) الـ أرض مُعرّفة / لم يُنكّرها ويقل (أرض) حتى نقول هي أرض الجنة كما قيل..!!
(أَنَّ الْأَرْضَ) هذه الأرض لا غيرها (يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)
(الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) ومن دونهم في جهنم
(وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ۞ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ۖ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)الزمر 73 – 74
(وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ) هذه الأرض (نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ)
(الْجَنَّةِ) هي صفة حال ، صفة مكان
(الْجَنَّةِ) هي كل مكان ذات خضرٍ وماء
لذلك قال:(أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ)لأن الجنة صفة حال
(الْجَنَّةِ) من الجنان – بستان – حديقة – الخ..
وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا)
(وَدَخَلَ جَنَّتَهُ) أي دخل بستانه وحديقته
▪️(إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ) أيْ أصحاب البستان
وكما بينا سابقا بأن جنة آدم جنة أرضية لا سماوية
(وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ)
والإرث: هو عملية انتقال الشيء من شخص إلى آخر
(وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)اﻷعراف 43
(تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا) مريم 63
(وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ۞ أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ۞ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) المؤمنون 9 – 11
(وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) الزخرف 72
(وَٱجۡعَلۡنِی مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ ٱلنَّعِیمِ) الشعراء 85
فمواقع الجنان على الأرض مقسّمة ومُعرّفة منذ الأزل
انظر في قوله تعالى:
(وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۖ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) هود 108
قييد بقاء الجنة وخلودها بوجود وبقاء السماوات والأرض
كما أن ماء السماء باقٍ ما دامت السماوات والأرض
وهذا السياق يؤكد أن الجنة في كينونة الأرض والسماء
وفي السياق شرط خلود الجنة من خلود السماوات والأرض بدليل هذا الترابط الثلاثي / الجنة / السماوات / الأرض
ثم لو كانت الجنة خارج الأرض والمنظومة الأرضية
فما قيمة الأرض وابقاؤها وخلودها مع خلود الجنة!!
فهذه الأرض لا تفنى،وإنما (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ) الرحمن 26
لذلك قال لك
(وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ) آل عمران 133]
(وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)الحديد 21]
و تقدم معنا بيانهما سابقا.
بأن عرضها: لا يعني الطول والعرض والحجم والسعة
وقد يسأل سائل
كيف تكون هذه الأرض هي الجنة وكينونتها بخلاف ما أخبرنا القرآن عن كينونة الجنة ؟!!
فالجنة فيها كذا.. وكذا.. وكذا..!!؟
أنظر في قوله تعالى:
(يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ۖ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) [سورة إبراهيم 48]
تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) ليس تبدّل كُلي
لا يعني أن الله يذهب بهذه الأرض ويأتي بغيرها
(مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ)
[سورة طه 55]
فالناس تُبعث يوم البعث من أرضها هذه ، لا غيرها
(وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا) [سورة الزلزلة 2]
(قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا) [سورة يس 52]
(تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) لا يعني أنها الآن كروية ويوم القيامة تُصبح مسطحة كما دندن أصحاب الإعجاز العلمي
فأرض الله مسطحة كما نص القرآن وكما تراها عينك.
تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) لا يعني بنسف الجبال حتى لا يبقى عليها معلَم لأحد
فلا علاقة لنسف الجبال على ظهر الأرض بتبدل الأرض
(تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) أيْ من أرض كما تراها الآن إلى جنة وجنان
من أرض قاحلة إلى أرض نضرة بخضرةٍ وماء وأنهار الخ..
وهذه الحكمة الكبرى من نسف الجبال وإبقاء الأرض وطوي السماء
فتُبدل من نظام سعي وأسباب إلى عطاء دون تعب وبلا حساب
وهذا التبدل يحدث على مرأى من الناس
أنظر إلى السياق اللاحق
(وَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِینَ یَوۡمَىِٕذࣲ مُّقَرَّنِینَ فِی ٱلۡأَصۡفَادِ) إبراهيم 49
(وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً) أي ظاهرة
سُئل النبي ﷺ
(أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات؟
فقال ﷺ هم في الظلمة دون الجسر)
أيْ أن هذا التبدل يحدث بعد أن يُحشر الناس وأمام أعينهم
وفي هذا المشهد إظهار عظمة الله الخالق أمام خلقه
كما (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [سورة مريم 37]
و(مَشْهَدِ) هو مشاهد كثيرة وليس مشهد فحسب
وليست الأرض فقط من تبدل ،، بل والسماوات
(يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ)
(وَالسَّمَاوَاتُ) أي حتى جنات السماء غير موجودة الآن
وإنما أخبر القرآن والنبي ﷺ عن الجنات وموقعها ودرجاتها كخبر مستقبلي..
أما قوله تعالى:
(وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ) البقرة 36]
(إِلَىٰ حِينٍ) هو (مَتَاعٌ) الحياة الدنيا
(فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) التوبة 38]
فالإنسان سيعيش ويحيى على هذه الأرض مرتين
الأولى: سماها الله (الحياة الدنيا) وليس حياة الأرض
والثانية : سماها (الآخرة) لانها أبدية لا موت فيها
وقوله تعالى:
(لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَىٰ ۖ وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) [سورة الدخان 56]
(لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ) فيها أيْ في هذه الجنة
إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَىٰ) فالموتة الأولى كانت على أرضنا هذه أرض الجنة
ترابط عظييم
مشهد آخر ، و دلالة أُخرى.
(وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) الزمر 69]
(وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا) لا بنور الشمس التي انطفأت
(وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا) كل الأرض / المحشر والجنة، والناس جميعا عليها يومئذٍ
فهذه الجنة (لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا) كما كان في السابق
وأمّا قوله تعالى:
(أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) لا يعني وجودها الآن
(أَعْتَدْنَا) هذا وعيد حق ومحقق لما سيكون يومئذٍ
مثاله (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ۖ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ)
فهذا الخطاب والنداء لم يحصل بعد!!
وإنما هو خبر عمّا سيحدث ويقال يومئذٍ
هذا كله والله تبارك وتعالى أعلم.
ختاما نقول:
هذه الأرض العظيمة (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ)
لم يخلقها الله من أجل أن تعيش عليها بضع سنين ثم يتلفها
هذه الأرض العظيمة هي أرض جنتك جنة الخلد
هذه الأرض العظيمة الشاسعة الواسعة التي لا يعلم مداها إلا الله
فما وراء الجدار الجليدي ربما مساحة الأرض هناك مئات آلاف أضعاف مما أحطنا به خُبراً حول محيط أرضنا..
وأعتقد هذا التصور بعيد كل البعد عن من يعتقد بأن الأرض كرة!! وقطرها 12 ألف كم!! ومن هذه الهرطقات والإفتراءات
فكفوا عن تحقير جنتكم أرض الله التي تصفونها
هذه الأرض العظيمة، التي (يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ
ولا ينظر أحدكم الآن إلى أرضه ويتخيلها جنته
بل حسبه أن ينظر في قوله (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ)
والحمد لله رب العالمين