بحر الأرض وبحر السماء.
مرج البحرين يلتقيان، فوالذي بسط الأرض ورفع السماء من لم يؤمن بالأرض المسطحة لا و لن ولم يفقه ثُلثي القرآن الذي تحدثت آياته عن خلق السماوات و الأرض و ما بينهما بالتفصيل والبيان..
بدايةً:.
علينا أن نعلم بأن جميع بحار الأرض بحراً واحداً
وهو ملحٌ أُجاج ، وجميع هذه البحار لا تصلح للشرب
ويقابل هذا البحر الأرضي (بحر السماء) العذب الفرات
(وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ۖ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ۖ وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
[سورة فاطر 12]
(وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ) بحر السماء ليس كبحر الأرض.
وبدأ ببحر السماء (عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ)
(وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ) الذي هو أدنى منه
من البحرين ( ومن كل تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا) سمك
و سمك بحر السماء ينزل مع ماء أنهار النيل والفرات وغيرهما
و يُسمى سمك نهري/ وهذا السمك يموت إن دخل بحر الأرض
وبيّنا سابقاً أن زمزم والنيل والفرات مصدرهم من السماء
إلى أطراف الأرض (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا)
حتى الينابيع من ماء السماء
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ)
ثم قال (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ) وليس فيهما ، إذ لا يصح
(الْفُلْكَ فِيهِ)في بحر الأرض ،إذ لا يوجد سفن في بحر السماء
(وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ) [سورة الشورى 29]
بثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ) فيهما وليس فيه
أيْ في السماء دواب = وهي الأسماك والحيتان
حتى تواترت الروايات أن مائدة الحواريين التي نزلت من السماء كانت (سمك)
وسُميت السورة باسم هذه المائدة
وأبواق السماء التي كانت تُسمع في بلدان بعيدة عن البحار وتظن أنها أصوات حيتان وتتعجب من أين مصدر الصوت
إنما كانت أصوات حيتان بحر السماء
(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ۞ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ ۞ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ۞ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ۞ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ۞ وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ)الرحمن 24]
بحر الأرض وبحر السماء.
(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ) أي تجاور البحرين ،بحر السماء مع بحر الأرض
وذلك أن أرضنا اليابسة يُحاط بها بحر الأرض من كل الجوانب ، ثم الجدار ، ثم الصحراء الجليدية ثم أقطار وأطراف الأرض
فكيف يصل الماء العذب من بحر السماء إلى ينابيع وأنهار الأرض كالنيل والفرات وزمزم وغيرهم ؟
ج: هو ان الله يُرسل ماء بحر السماء فيسلكه تحت الصحراء الجليدية حتى يصل إلى بحر الأرض ، فيدخل فيه ويُحاط به برزخ وحجراً محجورا حتى لا يخطلتان ويعبره حتى يدخل اليابسة من الأرض فحينها يسلكه ينابيع وأنهار كالنيل وغيره
(وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ) [سورة المؤمنون 18]
(وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا) [سورة الفرقان 53]
(بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ) كما بيّنا /بين المالح والعذب
(لَا يَبْغِيَانِ) أيْ لا يخطلتان
(وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ)لم يقل في البحرين
فدائما عند ذكر السفن والفلك يذكر فقط بحر الأرض
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ)
[سورة الملك 30]
(مَاؤُكُمْ) أيْ أنهاركم والينابيع والآبار
(غَوْرًا) ذهبت (فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ)
(أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ ۞ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ ۞ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ)الواقعة 70
(لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا) مالحاً ، كماء بحر الأرض
(فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ) هلّا تشكرون
وقد يسأل سائل :كيف لا ينهمر بحر السماء إلى بحر الأرض ؟
(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ)
[سورة الحجر 21]
(وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ) [سورة المؤمنون 18]
(أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا) [سورة الرعد 17]
حتى نجد أن الله ﷻ أقسم بسقف السماء وبحر السماء
(وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ ۞ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) الطور 5 – 6]
ونجد أن موسى علّم فتاهُ يوشع شيء عن هذين البحرين.
(وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ۞ فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا ۞ فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا ۞ قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ۞ قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ۚ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا)
[سورة الكهف 60 – 64]
(قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ) أيْ لا أزال أسير
(حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) مكان ملتقى البحرين
ولو تمكّنا من بلوغ المكان الذي بلغه موسى عليه السلام لتمكّنا من الوصول لإحدى مواقع ملتقى البحرين على الأرض
(أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا) دهراً طويلاً في بلوغه إن بَعُد
(فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا) أيْ مجمع من مجامع البحرين
(نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ) الحوت (فِي الْبَحْرِ سَرَبًا)
(سَرَبًا) والسرب هو النفق
(فَلَمَّا جَاوَزَا) المجمع (قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَٰذَا) إلى مجمع البحرين (نَصَبًا) تعبا
(قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ) إلى الصخرة وليس إلى اليابسة أو الأرض/مما يدل على أن هذه الصخرة وسط البحر
(فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ) أن أذكرك به (إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ) الحوت (سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا)
(عَجَبًا) بأن الحوت الميت دبّت فيه الحياة وقفز
(قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ) ماحصل معنا هو ماكنا نطلبه
(فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا) فرجعا يقصان آثار مشيهما حتى انتهيا إلى الصخرة
ولنا حديث آخر مع هذه الآيات إن شاء الله
طوفان نوح :
لم يستخدم بهذا الطوفان بحر الأرض البتة
بل أنزل ماء بحر السماء عبر المنفذين لبحر السماء وهما
(فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ ۞ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) القمر 11 – 12]
فُتحت أبواب السماء ونزل ماء بحر السماء
وفجر الأرض أيضاً بماء بحر السماء عبر الينابيع
لذلك استخدم (فَالْتَقَى) وأيضاً (الْمَاءُ) لم يقل ماء
حتى (قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ ۚ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ)
(لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ) فلنتخيل حجم هذا الماء الذي أغرق الأرض المسطحة وعمّ الجبال الشامخات..
وبعد الطوفان.
(وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ۖ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)
[سورة هود 44]
(وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ) فرجع هذا الماء إلى بحر السماء
(وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي) بإغلاق أبواب ماءك عن الأرض
(وَغِيضَ الْمَاءُ) نقص وذهب
(وَقُضِيَ الْأَمْرُ) أي أنجز الموعود
(وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ) هبطت على جبل الجودي
ونجد دائما أنه يأتي ذكر البحر بألف التعريف الـ بحر البحر
(وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا)
(وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ)
(وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ)
وهذا ما يؤكده أن بحار الأرض بحراً واحداً
كما سنبين ذلك في الحديث عن الأراضين السبع إن شاء الله
الملخص:
الأنهار ، الينابيع ، الآبار ، وكل ماء عذب يُشرَب مصدره بحر السماء وماء السماء .
قال النبي ﷺ (نهرانِ من الجنةِ : النيلُ والفراتُ)
ختاماً:
(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [سورة البقرة 164]
والحمد لله رب العالمين