سليمان عليه السلام مع النمل والخيل.

النمل و البعوض و الخيل وصخر الجني والبساط
مع سليمان عليه السلام.

ذكر خبر وادى النمل وما قيل فيه.

قال : ولما سار سليمان عليه السلام  لقصد الغزو مر فى طريقه بوادى النمل. قال الكسائي :

إنه مر بوادى السدير (واد من الطائف) فأتى وادى النمل .
قال الكسائى : فنظر إليهم وإذا هم يزيدون على مائة ألف كردوس مثل السحاب .

و هم زرق العيون، و لهم أيد و أرجل .
فقال سليمان : إنى أرى سحابة فى الأرض ل اأعلم ما هى .

فحملت إليه الريح قول النملة كما أخبر الله تعالى عنها :
حَتّى إذا أتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أيُّها النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لا يَشْعُرُونَ* فَتَبَسَّمَ ضاحِكًا مِن قَوْلِها ) .

قال : و نزل الناس معه .
فقال : أتدرون ما هذا السواد ؟
هذه أمة من الأمم يقال لها النمل، و أخبرهم بقول النملة، و سجد و سجدوا شكرا لله تعالى.

دخلت النمل مساكنها زمرة بعد زمرة، و النملة تناديهم:
الوحا الوحا فقد وافتكم الخيل.

فصاح بها سليمان و أراها الخاتم فجاءته خاضعة ، فوقفت
بين يديه و هى أكبر من الذئب،.

فسجدت بين يديه ثم قالت:.

يا نبى الله، ما سجدت قبلك إلا لأبيك إبراهيم ، وهأنا بين يديك مرنى بأمرك.

فقال : ما الذى تكلمت به قبل وصولى إليك؟.

قالت : يا نبى الله ، إنى رأيتك فى موكبك و عسكرك ،
فناديت النمل أن يدخلوا مساكنهم لئلا يحطمهم جندك .

و أنا كمثل غيرى من الملوك أريد الإصلاح لقومى.
فقال لها : كم عددكم ؟
و ما تأكلون وما تشربون؟
قالت : يا نبى الله، لو أمرت الجن والشياطين أن يحشرونا إليك لعجزوا، و ليس على وجه الأرض واد ولا جبل و لا غابة إلا و فى أكنافها مثل سلطانك كراديس من النمل.
.
و لو تفرق كردوس واحد فى الأرض لما وسعته.
و لقد خلقنا قبل أبيك آدم، و إنا لنأكل رزق ربنا و نشكره.
فأمرها أن تعرض النمل عليه..

فنادتهم، فمروا به زمرة بعد زمرة ، و سلموا عليه بلغاتهم
و هو ينظر إليهم.

فقالت ملكة النمل :..

يا نبى الله، منا ما يأوى الجبال ، ومنا ما يأوى قرب المياه و الأشجار و الزرع، و فى الهواء و هى الطيارة، فإذا نبتت أجنحتها هلكت و اختطفتها الطير.

و النملة لا تموت حتى يخرج من ظهرها كراديس من النمل. وليس على ظهر الأرض أحرص من النملة ؛ و إنها لتجمع فى صيفها ما يملأ بيتها وهى مع ذلك تظن أنها لا تشبع.

وتسبيحها تسأل ربّها أن يوسّع الرزق على خلقه.
قال الثعلبىّ قال الضحّاك : اسم النملة التى كلمت سليمان {{طاحية }} وقيل: «حرمى». والله أعلم..

ذكر خبر البعوض وما قيل فيه..

قال الكسائى : ولما نظر سليمان عليه السلام إلى كثرة النمل
قال : إلهى هل خلقت أكثر من النمل؟
فأوحى الله إليه : نعم و سترى ذلك .
ثم أمر الله تعالى ملك البعوض أن يحشرها لسليمان ،
فحشرها من شرق الأرض و غربها.
فأقبلت كراديس البعوض كالسحاب يتبع بعضها بعضا حتى وقف منهم كردوس على سليمان، و أقبل ملكهم .

و قال : يا نبى الله، مالك وللضعفاء من خلق ربّك ألهيتهم عن التسبيح.

. يابن داود، إنا فى هذه الأرض قبل أبيك آدم بألفى عام ما عرضنا على آدمى غيرك، نأكل من رزق ربنا، ولا نفتر عن ذكره صباحا ولا مساء.

قال : أخبرونى كم أنتم؟ وأين مأواكم؟ ومن أين تزرقون؟
قال ملكهم : يا نبى الله، تحت يدى سبعون سحابة، كل سحابة تملا المشرق و المغرب.

لكل زمرة موضع معلوم، تأكل كل واحدة رزقها ، و لولا خوف المعاد لأكلنا ما فى الدنيا.

ثم سجدوا وانصرفوا.

و كان سليمان إذا أراد أن يدرك قوما بعث إليهم البعوض فيأكل جميع ما فى مدينتهم..

ذكر خبر الخيل وما قيل فيها..

قال الله تعالى: (إذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالعَشِيِّ الصّافِناتُ الجِيادُ *
فَقالَ إنِّي أحْبَبْتُ حُبَّ الخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتّى تَوارَتْ بِالحِجابِ رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ والأعْناقِ.).

قال أبو الحسن علىّ بن ابراهيم الحوفى فى( كتاب البرهان فى علوم القرآن) فى تفسيره هذه الآية: الصافن من الخيل الذى يجمع بين يديه.

و قال الفراء :الصافن هو القائم.
و قال مجاهد : صفون الفرس إذا رفع إحدى رجليه حتى يكون على طرف الحافر.

قال ابن زياد : الخيل أخرجها الشيطان لسليمان من مرج من مروج البحر. والصفن أن يقوم الفرس على ثلاث و يرفع رجلا واحدة، يكون طرف الحافر على الأرض.
.
قال: وكانت لها أجنحة.
قال : و الجياد السراع.
و ذكر أنها كانت عشرين فرسا ذوات أجنحة.

قال و قوله:) إنى أحببت حبّ الخير عن ذكر ربّى حتى توارت بالحجاب) إنه لها عن الصلاة حتى فاتته.

قال قتادة والسدى: الخير : الخيل.
وروى عن علىّ- رضى الله عنه- أنه سئل عن الصلاة الوسطى فقال: هى العصر، و هى التى فتن بها سليمان.

(حتّى توارت بالحجاب) ، يعنى الشمس حتى تغيب فى مغيبها. و قوله: «ردّوها علىّ» أى الخيل التى عرضت علىّ فشغلتنى عن الصلاة.

(فطفق مسحا بالسوق والأعناق) أى جعل يمسح فيها السّوق وهو جمع ساق.
قال بعضهم: عقرها و ضرب أعناقها؛
قاله قتادة والحسن والسدىّ.
وقال ابن عباس- رضى الله عنهما-:
جعل يمسح أعرافها و عراقيبها بيده حبا لها.

و قيل: كشف عن عراقيبها و ضرب أعناقها
. و قال: لا تشغلينى عن عبادة ربى مرة أخرى.

قال أبو إسحاق : يجوز أن يكون الله أباح له ذلك لأنه لا يجعل التوبة من الذنب بذنب أعظم منه.
والله أعلم.
و قال الثعلبى- رحمه الله تعالى – فى قصة الخيل
قال الكلبى : غزا سليمان أهل نصيبين، فأصاب منهم ألف فرس.

و قال مقاتل : ورث سليمان من أبيه داود ألف فرس، كان داود أصابها من العمالقة..

قالوا : فصلى سليمان الصلاة الأولى و قعد على كرسيه، فعرض عليه منها تسعمائة فرس؛ فتنبّه لصلاة العصر، فإذا الشمس قد غابت و فاتته الصلاة و لم يعلم بذلك.

فاغتم وقال: ردوها علىّ، فردت عليه، فعرقبها بالسيف، و قربها إلى الله- عز وجل.

وب قى منها مائة فرس. فما فى أيدى الناس من الخيل العراب فهى من نسل تلك المائة. .

و قال كعب: كانت الأفراس أربعة عشر فرسا، فأمر بضرب أعناقها وسوقها بالسيف و قتلها.

فسلبه الله ملكه أربعة عشر يوما؛ لأنه ظلم الخيل بقتلها. قال الثعلبى و قال قوم: (فطفق مسحا بالسّوق والأعناق)

حبسها فى سبيل الله و كوى سوقها و أعناقها بميسم الصدقة.

و روى عن على بن أبى طالب- رضى الله عنه- أن الله تعالى أمر الملائكة الموكلين بالشمس فردوها، وصلى سليمان العصر فى وقتها.
و يبقى العلم عند ربي علام الغيوب..

ذكر خبر بساط سليمان عليه السلام…

قال الكسائى : و كان سليمان إذا ركب الريح تقدم أمام بساطه البعوض ثم الزنابير وكل ما يطير فى الهواء،.

ثم الشياطين. و كان إذا أراد أن يركب الريح دعا الرياح الثمانية: الشمال و الجنوب و الصبا والدبور والصرصر و العقيم و الكرس و الراكى،.

فيبسط بعضها على بعض، ثم يبسط بساطه على هذه الرياح، وكان من السندس الأخضر، أخضر البطن أحمر الظهر، أهداه الله تعالى إليه من الجنة، لا يعلم طوله وعرضه إلا الله تعالى..

و قيل : كان طوله ثلاثمائة و سبعين فرسخا فى عرض عشرة آلاف ذراع.
و كان سليمان إذا ركبه جعل اللون الأخضر مما يلى الأرض، فإذا رفع الناس رءوسهم اليه يرونه على لون السماء..

.. وكان يجلس على كرسيه و عن يمينه ويساره القضاة و العلماء والأحبار من بنى إسرائيل على كراسى معدة لهم، . وهو جالس فى وسط البساط وزمام الريح بيده، ويتغدى على مسيرة شهر ويتعشى على مسيرة شهر.

قال الله تعالى:( غُدُوُّها شَهْرٌ ورَواحُها شَهْرٌ .)
قال : وكان سليمان إذا ركب الرياح على بساطه يرى كل شىء عليه من الجن والإنس و الشياطين والهوام و غيرهم، والطير تظله، ولا يقف على مدينة إلا فتحها…

المصادر : تفاسير أهل السلف والصحابي ابن عباس رضي الله عنه،  وكتب التراث للكسائي

ترك الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *