صلح الحديبية… 

وقعة  صلح الحديبية في ذي القعدة السنة السادسة من الهجرة.. 
سبب عمرة الحديبية
ولما تقدم التطور في الجزيرة العربية إلى حد كبير لصالح المسلمين،. أخذت طلائع الفتح الأعظم ونجاح الدعوة الإسلامية تبدو شيئا فشيئا،.

فبدأت التمهيدات لإقرار حق المسلمين في أداء عبادتهم في المسجد الحرام، الذي كان قد صد عنه المشركون منذ ستة أعوام.

رأي رسول الله ﷺ في المنام، وهو بالمدينة، أنه دخل هو وأصحابه المسجد الحرام،.

فأخذ مفتاح الكعبة، وطافوا واعتمروا، وحلق بعضهم وقصر بعضهم، فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا، وحسبوا أنهم داخلوا مكة عامهم ذلك، وأخبر أصحابه أنه معتمر فتجهزوا للسفر.

صلح الحديبية….. استنفار المسلمين..

واستنفر العرب ومن حوله من البوادي ليخرجوا معه، فأبطأ كثير من الأعراب،.

ثم غسل ثيابه، وركب ناقته القصواء، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم أو نميلة الليثي،..

، وخرج منها يوم الإثنين غرة ذي القعدة سنة ٦ هـ، ومعه زوجته أم سلمة، في ألف وأربعمائة، ويقال ألف وخمسمائة.

، ولم يخرج معه بسلاح، إلا سرح المسافر، السيوف في القرب.

المسلمون يتحركون إلى مكة..

وتحرك في اتجاه مكة، فلما كان بذي الحليفة قلد الهدي وأشعره،.

، وأحرم بالعمرة، ليأمن الناس من حربه، وبعث بين يديه عينا له من خزاعة يخبره عن قريش، حتى إذا كان قريبا من عسفان أتاه عينه،..

فقال : إني تركت كعب بن لؤي قد جمعوا لك الأحابيش، وجمعوا لك جموعا وهم مقاتلوك، وصادوك عن البيت.

استشار النبيّ ﷺ أصحابه وقال :
«أترون نميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم؟.

فإن قعدوا قعدوا موتورين محزونين، وإن نجوا يكن عنق قطعها الله، أم تريدون أن نؤم هذا البيت فمن صدنا عنه قاتلناه؟.

فقال أبو بكر : الله ورسوله أعلم، إنما جئنا معتمرين، ولم نجيء لقتال أحد،.
ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه، فقال النبيّ ﷺ: فروحوا، فراحوا.

محاولة قريش صد المسلمين عن البيت..

وكانت قريش لما سمعت بخروج النبيّ ﷺ عقدت مجلسا استشاريا،. قررت فيه صد المسلمين عن البيت كيفما يمكن،..

فبعد أن أعرض رسول الله ﷺ عن الأحابيش، نقل إليه رجل من بني كعب أن قريشا نازلة بذي طوى،..

وأن مائتي فارس في قيادة خالد بن الوليد مرابطة بكراع الغميم، في الطريق الرئيسي الذي يوصل إلى مكة.
، وقد حاول خالد صد المسلمين، فقام بفرسانه إزاءهم يتراءى الجيشان،. ورأى خالد المسلمين في صلاة الظهر يركعون ويسجدون..

فقال : لقد كانوا في غرة، لو كنا حملنا عليهم لأصبنا منهم، ثم قرر أن يميل على المسلمين- . وهم في صلاة العصر- ميلة واحدة، ولكن الله أنزل حكم صلاة الخوف، فقاتت الفرصة خالدا.

صلح الحديبية..

تبديل الطريق ومحاولة الإجتناب عن اللقاء الدامي…

وأخذ رسول الله ﷺ طريقا وعرا بين شعاب، وسلك بهم ذات اليمين بين ظهري الخمش،.
في طريق على ثنية المرار مهبط الحديبية من أسفل مكة، وترك الطريق الرئيسي الذي يفضي إلى الحرم مارا بالتنعيم،..

تركه إلى اليسار، فلما رأى خالد قرة الجيش الإسلامي قد خالفوا عن طريقه انطلق يركض نذيرا لقريش.
وسار رسول الله ﷺ، حتى إذا كان بثنية المرار بركت راحلته،
فقال الناس: حل حل، فألحت، فقالوا: خلأت القصواء، خلأت القصواء، فقال النبيّ ﷺ : «ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل.

ثم قال : «والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها».

ثم زجرها فوثبت به، فعدل حتى نزل بأقصى الحديبية، على ثمد (حوض) قليل الماء، إنما
يتبرضه « يأخذ قليل من الماء ».

الناس تبرضا، فلم يلبث أن نزحوه، فشكوا إلى رسول الله ﷺ العطش. فانتزع سهما من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا.

صلح الحديبية..

بديل يتوسط بين رسول الله ﷺ وقريش…

ولما اطمأن رسول الله ﷺ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة، .

وكانت خزاعة عيبة نصح لرسول الله ﷺ من أهل تهامة،.

فقال : إني تركت كعب بن لؤي، نزلوا أعداد مياه الحديبية، معهم العوذ المطافيل ، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت.

قال رسول الله ﷺ : «إنا لم نجيء لقتال أحد، ولكن جئنا معتمرين، وإن قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم،.

فإن شاؤا ماددتهم، ويخلوا بيني وبين الناس، وإن شاؤا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جموا،..

وإن أبوا إلا القتال
فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، أو لينفذن الله أمره».

قال بديل : سأبلغهم ما تقول، فانطلق حتى أتى قريشا : ..

إني قد جئتكم من عند هذا الرجل، وسمعته يقول قولا، فإن شئتم عرضته عليكم.

فقال سفهاؤهم : لا حاجة لنا أن تحدثنا عنه بشيء.
وقال ذو الرأي منهم : هات ما سمعته. قال : سمعته يقول كذا وكذا،.

فبعثت قريش مكرز بن حفص، فلما رآه رسول الله ﷺ قال : ..

هذا رجل غادر، فلما جاء وتكلم قال له مثل ما قال لبديل وأصحابه، فرجع إلى قريش وأخبرهم.

صلح الحديبية…

رسل قريش الي المسلمين… 

ثم قال رجل من كنانة- اسمه الحليس بن علقمة -: دعوني آته..

فقالوا : آته ، فلما أشرف على النبيّ ﷺ وأصحابه
قال رسول الله ﷺ : هذا فلان، وهو من قوم يعظمون البدن،..

فابعثوها، فبعثوها له، واستقبله القوم يلبون، فلما رأى ذلك.
قال : سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت، فرجع إلى أصحابه فقال .. : رأيت البدن قد قلدت وأشعرت، وما أرى أن يصدوا، وجرى بينه وبين قريش كلام أحفظه..

فقال عروة بن مسعود الثقفي : إن هذا قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها، ودعوني آته
فقالوا : … آته ، فاتاه، فجعل يكلمه، فقال له النبيّ ﷺ نحوا من قوله لبديل،.

، فقال له عروة عند ذلك : أي محمد، أرأيت لو استأصلت قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك،..

و إن تكن الآخرى فوالله إني لأرى وجوها، وأرى أوباشا من الناس خلقا أن يفروا ويدعوك،.

فقال له أبو بكر : أمصص بظر اللات، أنحن نفر عنه ،؟.
قال : من ذا ؟ قالوا : أبو بكر، قال : أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت عندي لم أجزك بها لأجبتك..

صلح الحديبية..

و جعل يكلم النبيّ ﷺ، وكلما كلمه أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة عند رأس النبيّ ﷺ و معه السيف و عليه المغفر،..

فكلما أهوى عروة إلى لحية النبيّ ﷺ ضرب يده بنعل السيف،.
و قال : أخر يدك عن لحية رسول الله ﷺ، فرفع عروة رأسه.
قال : من ذا ؟ قالوا : المغيرة بن شعبة، فقال : أي غدر، أو لست أسعى في غدرتك؟..

،  و كان المغيرة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم، وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم،.
فقال النبيّ ﷺ : أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شيء (وكان المغيرة ابن أخي عروة).

ثم إن عروة جعل يمرق أصحاب رسول الله ﷺ وعلاقتهم به، فرجع إلى أصحابه،.

فقال : أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، على قيصر وكسرى والنجاشي، . والله ما رأيت ملكا يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا،..

والله إن تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فذلك بها، ،، وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره،..

و إذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده،. و ما يحدون إليه النظر تعظيما له، و قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها.

هو الذي كف أيديهم عنكم..

و لما رأى شباب قريش الطائشون، والطامحون إلى حرب، رغبة زعمائهم في الصلح،. فكروا في خطة تحول بينهم وبين الصلح،..

فقرروا أن يخرجوا ليلا ويتسللوا إلى معسكر المسلمين، ويحدثوا أحداثا تشعل نار الحرب. وفعلا قد قاموا بتنفيذ هذا القرار،.

فقد خرج سبعون أو ثمانون منهم ليلا فهبطوا من جبل التنعيم، وحاولوا التسلل إلى معسكر المسلمين،..
غير أن محمد بن سلمة قائد الحرس اعتقلهم جميعا. ورغبة في الصلح أطلق سراحهم النبيّ ﷺ وعفا عنهم،..

و في ذلك أنزل الله وهُوَ الَّذِي كَفَّ أيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وأيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أنْ أظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ
[الفتح : ٢٤].

صلح الحديبية..

عثمان بن عفان سفيرا إلى قريش..

و حينئذ أراد رسول الله ﷺ أن يبعث سفيرا يؤكد لدى قريش موقفه وهدفه من هذا السفر، .

فدعا عمر بن الخطاب ليرسله إليهم، فاعتذر قائلا :.. يا رسول الله ﷺ ليس لي بمكة أحد من بني كعب يغضب لي إن أوذيت،..

فأرسل عثمان بن عفان، فإن عشيرته بها، و إنه مبلغ ما أردت، فدعاه، وأرسله إلى قريش،.

و قال : أخبرهم أنا لم نأت لقتال، وإنما جئنا عمارا، وادعهم إلى الإسلام.

، و أمره أن يأتي رجالا بمكة مؤمنين، ونساء مؤمنات، فيبشرهم بالفتح، ويخبرهم أن الله عز وجل مظهر دينه بمكة،.

حتى لا يستخفي فيها أحد بالإيمان.
فانطلق عثمان حتى مر على قريش ببلدح، فقالوا : أين تريد؟.

فقال : بعثني رسول الله ﷺ كذا وكذا، قالوا : قد سمعنا ما تقول، فانفذ لحاجتك،..

و قام إليه أبان بن سعيد بن العاص، فرحب به ثم أسرج فرسه، فحمل عثمان على الفرس. وأجاره وأردفه حتى جاء مكة، وبلغ الرسالة إلى زعماء قريش.

فلما فرغ عرضوا عليه أن يطوف بالبيت، لكنه رفض هذا العرض، و أبى أن يطوف حتى يطوف رسول الله ﷺ..

اشاعة مقتل عثمان وبيعة الرضوان…

و احتبسته قريش عندها- ولعلهم أرادوا أن يتشاوروا فيما بينهم في الوضع الراهن.

، و يبرموا أمرهم، ثم يردوا عثمان بجواب ما جاء به من الرسالة- وطال الإحتباس، فشاع بين المسلمين أن عثمان قتل.

فقال رسول الله ﷺ : لما بلغته تلك الإشاعة : «لا نبرح حتى نناجز القوم».

ثم دعا أصحابه إلي البيعة، فثاروا إليه يبايعونه على ألايفروا، و بايعته جماعة على الموت..

، و اول من بايعه أبو سنان الأسدي، وبايعه سلمة بن الأكوع على الموت ثلاث مرات، في أول الناس ووسطهم وآخرهم،.

، وأخذ رسول الله ﷺ : بيد نفسه وقال : «هذه عن عثمان»،.

ولما تمت البيعة جاء عثمان فبايعه، ولم يتخلف عن هذه البيعة إلا رجل من المنافقين يقال له : جد بن قيس.

أخذ رسول الله ﷺ هذه البيعة تحت شجرة، وكان عمر آخذا بيده،.. ومعقل بن يسار اخذا بغصن الشجرة يرفعه عن رسول الله ﷺ، وهذه هي بيعة الرضوان التي أنزل الله فيها…..

لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ.

إبرام صلح الحديبية وبنوده..

عرفت قريش حراجة الموقف، فأسرعت إلى بعث سهيل بن عمرو لعقد الصلح، و أكدت له ألا يكون في الصلح إلا أن يرجع عنا عامه هذا،.

لا تتحدث العرب عنا أنه دخلها علينا عنوة أبدا.
فأتاه سهيل بن عمرو، فلما رآه عليه السلام قال.. : « قد سهل لكم أمركم، أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل ».

فجاء سهيل فتكلم طويلا، ثم اتفقا على قواعد الصلح وهي هذه :..

بنود صلح الحديبية..

١- الرسول- ﷺ- يرجع من عامه، فلا يدخل مكة وإذا كان العام القابل دخلها المسلمون فأقاموا بها ثلاثا،.

معهم سلاح الراكب، السيوف في القرب، ولا تتعرض قريش لهم بأي نوع من أنواع التعرض.

٢- وضع الحرب بين الطرفين عشر سنين، يأمن فيها الناس، ويكف بعضهم عن بعض.

٣- من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش و عهدهم دخل فيه،.
وتعتبر القبيلة التي تنضم إلى أي الفريقين جزآ من ذلك الفريق،.

فأي عدوان تتعرض له أي من هذه القبائل يعتبر عدوانا على ذلك الفريق.

٤- من أتى محمدا من قريش من غير إذن وليه- أي هاربا منهم- رده عليهم،.

و من جاء قريشا ممن مع محمد- أي هاربا منه- لم يرد عليه.

ثم دعا عليا ليكتب الكتاب، فأملى عليه.. 

«بسم الله الرحمن الرحيم» فقال سهيل.. : أما الرحمن فوالله
لا ندري ما هو ؟ . ولكن اكتب باسمك اللهم.
فأمر النبيّ ﷺ عليا بذلك.

ثم أملى : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله فقال سهيل : ..
لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك.

ولكن أكتب محمد بن عبد الله .
فقال : إني رسول الله وإن كذبتموني،.
و أمر عليا أن يكتب محمد بن عبد الله، ويمحو لفظ رسول الله، فأبى علي أن يمحو هذا اللفظ،.

فمحاه ﷺ بيده، ثم تمت كتابة الصحيفة،.

و لما تم الصلح دخلت خزاعة في عهد رسول الله ﷺ- وكانوا حليف بني هاشم منذ عهد عبد المطلب ..

، فكان دخولهم في هذا العهد، تأكيدا لذلك الحلف القديم- ودخلت بنو بكر في عهد قريش.

رد أبي جندل…

و بينما الكتاب يكتب إذ جاء أبو جندل بن سهيل يرسف في قيوده،. قد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين ظهور المسلمين،.

فقال سهيل : هذا أول ما أقاضيك عليه على أن ترده.
فقال النبيّ ﷺ : إنا لم نقض الكتاب بعد.

فقال : فوالله إذا لا أقاضيك على شيء أبدا.
فقال النبيّ ﷺ : فأجزه لي. قال : ما أنا بمجيزه لك.
قال : بلى فافعل، قال : ما أنا بفاعل.

و قد ضرب سهيل أبا جندل في وجهه، وأخذ بتلابيبه وجره، ليرده إلى المشركين.

و جعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته :
يا معشر المسلمين أأرد إلى المشركين يفتنوني في ديني؟.

فقال رسول الله ﷺ : «يا أبا جندل أصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا،.

إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا، وأعطيناهم على ذلك، و أعطونا عهد الله فلا نغدر بهم»..

فوثب عمر بن الخطاب رضي اللّٰه عنه مع أبي جندل يمشي إلى جنبه ويقول : اصبر يا أبا جندل، فإنما هم المشركون،.

وإنما دم أحدهم دم كلب، ويدني قائم السيف منه،
يقول عمر.. : رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه، فضن الرجل بأبيه، ونفذت القضية.

النحر والحلق للحل عن العمرة..

و لما فرغ رسول الله ﷺ من قضية الكتاب قال : قوموا، فانحروا، فوالله ما قام منهم أحد حتى قال ثلاث مرات،..

فلما لم يقم منهم أحد قام فدخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس،..

فقالت : يا رسول الله أتحب ذلك؟ أخرج، ثم لا تكلم أحدا كلمة حتى تنحر بدنك،.

و تدعو حالقك فيحلقك، فقام فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه،..

فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما،.

وكانوا نحروا البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة، ونحر رسول الله ﷺ جملا كان لأبي جهل،.

، و كان في أنفه برة من فضة، ليغيظ به المشركين، فدعا رسول الله ﷺ للمحلقين ثلاثا بالمغفرة،
وللمقصرين مرة.

وفي هذا السفر أنزل الله فدية الأذى لمن حلق رأسه بالصيام، أو الصدقة، أو النسك في شأن كعب بن عجرة.

صلح الحديبية…

الإباء عن رد المهاجرات..

ثم جاء نسوة مؤمنات فسأل أولياؤهن أن يردهن عليهم بالعهد الذي تم في الحديبية،.

فرفض طلبهم هذا، بدليل أن الكلمة التي كتبت في المعاهدة بصدد هذا البند هي… : (وعلى أنه لا يأتيك منا رجل، وإن كان على دينك إلا رددته علينا)..

فلم تدخل النساء في العقد رأسا.
وأنزل في ذلك يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا جاءَكُمُ المُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فامْتَحِنُوهُنَّ حتى بلغ بِعِصَمِ الكَوافِرِ ، فكان رسول الله ﷺ يمتحنهن بقوله تعالى: إذا جاءَكَ المُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا إلخ،..

فمن أقرت بهذه الشروط قال لها : قد بايعتك. ثم لم يكن يردهن.

و طلق المسلمون زوجاتهم الكافرات بهذا الحكم.
فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك.

تزوج بإحداهما معاوية، وبالآخرى صفوان بن أمية.

نتائج صلح الحديبية

يتمخض عن بنود المعاهدة..
هذه هي هدنة الحديبية، ومن سبر أغوار بنودها مع خلفياتها.

لا يشك أنها فتح عظيم للمسلمين، فقريش لم تكن تعترف بالمسلمين أي اعتراف. ، بل كانت تهدف استئصال شأفتهم،..

و تنتظر أن تشهد يوما ما نهايتهم، وكانت تحاول بأقصى قوتها الحيلولة بين الدعوة الإسلامية، وبين الناس،.

بصفتها ممثلة الزعامة الدينية والصدارة الدنيوية في جزيرة العرب، ومجرد الجنوح إلى الصلح اعتراف بقوة المسلمين.

، و أن قريشا لا تقدر على مقاومتهم، ثم البند الثالث يدل لفحواه على أن قريشا نسيت صدارتها الدنيوية و زعامتها الدينية، .

و أنها لا تهمها الآن
إلا نفسها، أما سائر الناس وبقية جزيرة العرب فلو دخلت في الإسلام بأجمعها، فلا يهم ذلك قريشا،.

و لا تتدخل في ذلك بأي نوع من أنواع التدخل.
أليس هذا فشلا ذريعا بالنسبة إلى قريش؟ . وفتحا مبينا بالنسبة إلى المسلمين؟.

إن الحروب الدامية التي جرت بين المسلمين وبين أعدائهم لم تكن أهدافها- بالنسبة إلى المسلمين- مصادرة الأموال و إبادة الأرواح، وإفناء الناس.

، أو إكراه العدو على اعتناق الإسلام، و إنما كان الهدف الوحيد الذي يهدفه المسلمون من هذه الحروب هو الحرية الكاملة للناس في العقيدة والدين .

فَمَن شاءَ فَلْيُؤْمِن ومَن شاءَ فَلْيَكْفُرْ… 

لا يحول بينهم و بين ما يريدون أي قوة من القوات، وقد حصل هذا الهدف بجميع أجزائه ولوازمه،.

وبطريق ربما لا يحصل بمثله في الحروب مع الفتح المبين، و قد كسب المسلمون لأجل هذه الحرية نجاحا كبيرا في الدعوة،.

فبينما كان عدد المسلمين لا يزيد على ثلاثة آلاف قبل الهدنة، صار عدد الجيش الإسلامي في سنتين عند فتح مكة عشرة آلاف.

أما البند الثاني ؛ فهو جزء ثان لهذا الفتح المبين، فالمسلمون لم يكونوا بادئين بالحروب، و إنما بدأتها قريش،.

يقول الله تعالى : وهُمْ بَدَؤُكُمْ أوَّلَ مَرَّةٍ،
أما المسلمون فلم يكن المقصود من دورياتهم العسكرية إلا أن تفيق قريش عن غطرستها،.

و صدها عن سبيل الله، وتعمل معهم بالمساواة، كل من الفريقين يعمل على شاكلته فالعقد بوضع الحرب عشر سنين حد لهذه الغطرسة والصد، .

و دليل على فشل من بدأ الحرب وضعفه وانهياره.
أما البند الأول، فهو حد لصد قريش عن المسجد الحرام،.

فهو أيضا فشل لقريش، و ليس فيه ما يشفي قريشا سوى أنها نجحت في الصد لذلك العام الواحد فقط..

أعطت قريش هذه الخلال الثلاث للمسلمين، وحصلت بإزائها خلة واحدة فقط،.

و هي ما في البند الرابع، ولكن تلك الخلة تافهة جدا، ليس فيها شيء يضر بالمسلمين،.

فمعلوم أن المسلم ما دام مسلما لا يفر عن الله ورسوله، وعن مدينة الإسلام،..

و لا يفر إلا إذا ارتد عن الإسلام ظاهرا أو باطنا، فإذا ارتد فلا حاجة إليه للمسلمين.

، وانفصاله من المجتمع الإسلامي خير من بقائه فيه، وهذا الذي أشار إليه رسول الله ﷺ بقوله.. : إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله وأما من أسلم من أهل مكة..

فهو و إن لم يبق للجوئه إلى المدينة سبيل- لكن أرض الله واسعة،..

صلح الحديىية…

ألم تكن الحبشة واسعة للمسلمين حينما لم يكن يعرف أهل المدينة عن الإسلام شيئا؟.

و هذا الذي أشار إليه النبيّ ﷺ بقوله: «ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا».
والأخذ بمثل هذا الإحتفاظ..

، و إن كان مظهر الإعتزاز لقريش، لكنه في الحقيقة ينبئ عن شدة انزعاج قريش وهلعهم وخورهم،.

وعن شدة خوفهم على كيانهم الوثني، وكأنهم كانوا قد أحسوا أن كيانهم اليوم على شفا جرف هار،..

لا بد له من الأخذ بمثل هذا الإحتفاظ. وما سمح به النبيّ ﷺ من أنه لا يسترد من فرّ إلى قريش من المسلمين،.

فليس هذا إلا دليلا على أنه يعتمد على تثبيت كيانه وقوته كمال الإعتماد، و لا يخاف عليه من مثل هذا الشرط.

حزن المسلمين ومناقشة عمر مع النبيّ ﷺ :..

هذه هي حقيقة بنود هذه الهدنة، لكن هناك ظاهرتان عمت لأجلهما المسلمين كابة وحزن شديد،.

الأولى : أنه كان قد أخبرهم أن سنأتي البيت فنطوف به، فماله يرجع ولم يطف له؟.

الثانية : أنه رسول الله ﷺ وعلى الحق، والله وعد إظهار دينه، فماله قبل ضغط قريش،.

وأعطى الدنية في الصلح؟ كانت هاتان الظاهرتان مثار الريب والشكوك والوساوس والظنون..

، و صارت مشاعر المسلمين لأجلهما جريحة، بحيث غلب الهم و الحزن على التفكير في عواقب بنود الصلح.

و لعل أعظمهم حزنا كان عمر بن الخطاب، فقد جاء إلى النبيّ ﷺ.

و قال : يا رسول الله ألسنا على حق وهم على باطل؟ قال : بلى.
قال : أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى.

قال : ففيم نعطي الدنية في ديننا، ونرجع ولما يحكم الله بيننا ، و بينهم، قال : «يا ابن الخطاب إني رسول الله ولست أعصيه، و هو ناصري، ولن يضيعني أبدا».

فقال : أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟.

قال : بلى، «فأخبرتك أنا نأتيه العام؟ قال : لا.
قال : فإنك آتيه ومطوف به».

ثم انطلق عمر متغيظا فأتى أبا بكر، فقال له كما قال لرسول الله ﷺ، ورد عليه أبو بكر، كما رد عليه رسول الله ﷺ سواء،.

و زاد : فاستمسك بغرزه حتى تموت، فوالله إنه لعلى الحق.

ثم نزلت : إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا إلخ
فأرسل رسول الله ﷺ إلى عمر فأقرأه إياه،.

فقال : يا رسول الله أو فتح هو؟ قال : نعم. طابت نفسه ورجع.
ثم ندم عمر على ما فرط منه ندما شديدا.
قال عمر : فعملت لذلك أعمالا، ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي و أعتق من الذي صنعت يومئذ،.
مخافة كلامي الذي تكلمات به، حتى رجوت أن يكون خيرا .

صلح الحديبية… انحلت أزمة المستضعفين…

و لما رجع رسول الله ﷺ إلى المدينة، وأطمأن بها، انفلت رجل من المسلمين. ، ممن كان يعذب في مكة،..

و هو أبو بصير رجل من ثقيف حليف لقريش، فأرسلوا في طلبه رجلين وقالوا للنبي ﷺ العهد الذي جعلت لنا،..

فدفعه النبي ﷺ إلى الرجلين، فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة، فنزلوا يأكلون من تمر لهم،.

فقال أبو بصير لأحد الرجلين : والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان جيدا. فاستله الآخر، فقال : أجل. والله إنه لجيد، لقد جربت به ثم جربت.

فقال أبو بصير : أرني أنظر إليه، فأمكنه منه، فضربه حتى برد..

و فر الآخر حتى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو،
فقال رسول الله ﷺ حين رآه .. : لقد رأى هذا ذعرا،
فلما انتهى إلى النبي ﷺ قال : قتل صاحبي، وإني لمقتول،.

فجاء أبو بصير وقال : يا نبي الله، قد والله أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم، . ثم أنجاني الله منهم،
قال رسول الله…
«ويل أمه، مسعر حرب لو كان له أحد»، فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر،.

و ينفلت منهم أبو جندل بن سهيل، فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة.

فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها، فقتلوهم و أخذوا أموالهم.
، فأرسلت قريش إلى النبي ﷺ تناشده الله والرحم لما أرسل، فمن أتاه فهو آمن، فأرسل النبي ﷺ إليهم، فقدموا عليه المدينة.

صلح الحديبية.. 

إسلام أبطال من قريش..

و  في أوائل سنة ٧ من الهجرة بعد هذه الهدنة أسلم عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة،..

و لما حضروا عند النبي ﷺ قال : إن مكة قد ألقت إلينا أفلاذ كبدها..

اختلفوا كثيرا في تعيين السنة التي أسلم فيها هؤلاء الصحابة،..

و عامة كتب أسماء الرجال تصرح أنها سنة ثمان، ولكن قصة إسلام عمرو بن العاص عند النجاشي معروفة،.

، و أسلم خالد وطلحة حين رجع عمرو بن العاص من الحبشة فإنه بعد الرجوع قصد المدينة فلقياه في الطريق،.

و حضر الثلاثة عند النبيّ ﷺ وأسلموا فلهذا يقتضي أنهم أسلموا في أوائل سنة سبع.

ترك الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  • نوفمبر 16, 2023 في 7:35 ص

    When some one searches for his required thing, therefore he/she wishes to be available that in detail, thus that thing
    is maintained over here.

  • ديسمبر 12, 2023 في 2:57 ص

    Hi! Quick question that’s entirely off topic. Do you know how to make your site mobile friendly?
    My weblog looks weird when viewing from my iphone4.
    I’m trying to find a theme or plugin that might be able to resolve this issue.

    If you have any recommendations, please share. Thank you!