رحلة بلوقيا العجيبة.
سنبحر اليوم مع بلوقيا و نرتحل في عوالم بعيدة..
أحضر كوبا من الشاي وهيا تعال لنبحر سويا.
هذه القصة تشتمل على عجائب كثيرة ووقائع قد ينكرها
بعض من يقف عليها لغرابتها. وفي النهاية لكم مطلق الحرية في تصديق هذه الرواية أو لا..
ثبت فى صحيح البخارى عن عبد الله بن عمرو بن العاص
رضى الله عنهما عن رسول الله ﷺ أنه قال : «بلّغوا عنّى ولو آية وحدّثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج ومن كذب علىّ متعمّدا فليتبوّا مقعده من النار) .
ولنأخذ الآن فى سرد القصّة..
قال أبو إسحاق الثعلبى رحمه الله تعالى فى كتابه المترجم بيواقيت البيان فى قصص القرآن بسند رفعه
عن عبد الله بن سلام قال :
كان فى بنى إسرائيل رجلا يقال له «أوشيا» و كان من علمائهم، و كان كثير المال، وكان إماما لبنى إسرائيل، كما قد عرف نعت النبى صلى الله عليه وسلم فى التوراة ، فخبأه وكتمه عنهم.
و كان له ابن يقال له بلوقيا خليفة أبيه فى بنى إسرائيل ،
و ذلك بعد سليمان بن داود عليهما السلام.
فلما مات أوشيا بقى ابنه بلوقيا و الأمانة فى يده والقضاء ، ففتش يوما خزائن أبيه فوجد فيها تابوتا من حديد مقفلا بقفل حديد،
فسأل الخزّان عن ذلك،
فقالوا : لا ندرى.
فاحتال على القفل حتى فكه، فإذا فيه صندوق من خشب الساج، ففكه وإذا فيه أوراق، فقرأها فإذا فيها نعت النبى و أمته وهى مختومة بالمسك، فقرأ ذلك على بنى إسرائيل
ثم قال : الويل لك يا أبت من الله فيما كتبت و كتمت من الحقّ و أهله.
فقالت بنو إسرائيل : يا بلوقيا، لولا أنك إمامنا و كبيرنا لنبشنا قبره و أخرجناه منه و حرقناه بالنار. قال: يا قوم، لا ضير إنما ترك حظ نفسه و خسر فى دينه و دنياه، فألحقوا نعت النبى و أمته بالتوراة.
قال : و كانت أم بلوقيا فى الأحياء، فاستأذنها فى الخروج
إلى بلاد الشام، و كانوا يومئذ فى بلاد مصر.
فقالت : و ما تصنع بالشام؟
قال : أسأل عن محمد و أمته، فلعلّ الله تعالى أن يرزقنى الدخول فى دينه، فأذنت له. فبرز بلوقيا و قدم بلاد الشام.
فبينما هو يسير إذا انتهى إلى جزيرة من جزائر البحر، فإذا هو بحيّ ات كأمثال الإبل عظما و فى الطول ما شاء الله و هن يقلن : لا إله إلّا الله محمد رسول الله.
فقلن له : أيها الخلق المخلوق من أنت؟ و ما اسمك؟
قال : اسمى بلوقيا ، و أنا من بنى إسرائيل.
فقلن : و ما إسرائيل؟
قلت : من ولد آدم.
فقلن : سمعنا باسم آدم ولم نسمع باسم إسرائيل.
فقال بلوقيا : أيتها الحيّات من أنتن؟
فقلن : نحن حيّات من حيّات جهنم و نحن نعذب الكفّار فيها يوم القيامة.
قال بلوقيا : و ما تصنعن هاهنا ؟.
و كيف عرفتن محمدا ؟.
فقلن : إن جهنم تفور و تزفر فى كل سنة مرتين فتلقينا هاهنا ثم نعود إليها، فشدة الحر فى الصيف من حرها، و شدة البرد فى الشتاء من بردها.
وليس فى جهنم درك من دركاتها، ولا باب من أبوابها، و لا سرادق من سرادقاتها إلا وقد كتب عليه :
«لا إله إلّا الله محمد رسول الله»
فمن أجل هذا عرفنا محمدا.
قال بلوقيا : أيتها الحي ات ، هل فى جهنم مثلكن أو أكبر منكن؟
فقلن : إن فى جهنم حيّات تدخل إحدانا فى أنف إحداهن و تخرج من فمها و لا تشعر بذلك لعظمها.
قال : فسلم بلوقيا عليهن و مضى حتى أتى جزيرة أخرى،
فإذا هو بحيات كأمثال الجذوع و السوارى، و على متن إحداهن حية صغرى صفراء.
كلما مشت اجتمعت الحيات حولها فإذا نفخت صرن تحت الأرض خوفا منها.
فلمّا رآها و رأته قالت له : أيها الخلق المخلوق من أنت؟
و ما اسمك؟.
قال : اسمى بلوقيا، وأنا من بنى إسرائيل من ولد ابراهيم. فاخبرينى أيتها الحية من أنت؟.
قالت : أنا موكلة بالحيات و اسمى تمليخا، و لولا أنى موكلة بهن لقتلت الحيات بنى آدم كلهم فى يوم واحد،.
و لكنى اذا صفرت صفرة واحدة و سمعن صوتى دخلن فى الماء الذى تحت الأرض. و لكن يا بلوقيا إن لقيت محمدا فأقرئه منّى السلام..
قال : و مضى بلوقيا إلى بلاد الشام فأتى بيت المقدس، و كان بها حبر من أحبارهم يسمّى عفان الخير، فأتاه فسلم عليه و قص عليه قصته.
فقال له : ليس هذا زمان محمد و لا زمان أمّته، بينك وبينه بعد سنين وقرون.
رحلة بلوقيا العجيبة..
ثم قال عفان : يا بلوقيا أرنى موضع الحية التى اسمها تمليخا، فإن قدرت أن أصيدها رجوت أن أنال معك ملكا عظيما و نحيا حياة طيّبة الى أن يبعث الله محمدا فندخل فى دينه.
قال : فمن حرص بلوقيا على الدخول فى دين محمد صلى الله عليه وسلم
قال : أنا أريك المكان.
فقام عفان و أخذ تابوتا من حديد و حمل فيه قدحين من فضة فى أحدهما خمر و فى الآخر لبن ؛ ثم سارا جميعا حتى انتهيا
الى موضع الحية ففتحا باب التابوت وتنحيا.
و جاءت الحية تبغى الرائحة فدخلت التابوت وشربت من اللبن والخمر حتى سكرت و نامت.
شجرة الدواء.
فقام عفان ودب الى التابوت دبيبا خفيفا فأغلق بابه و احتضنه وسارا جميعا فلم يمر بشجرة و لا بيت إلا كلمهما بإذن الله تعالى. فمرا بشجرة يقال لها الدواء.
فقالت : يا عفان، من يأخذنى ويقطعنى و يدقنى ويعصر مائى ودهنى ويطلى به قدميه فإنه يغوص البحار السبعة ولا تبتل قدماه ولا يغرق.
فقال عفان : إيّاك طلبت، فقطع تلك الشجرة فدقها و عصر دهنها و جعله فى كوز ثم خلّى عن الحية فطارت بين السماء والأرض وهى تقول : يا بنى آدم ما أجرأكم على الله تعالى، و لن تصلوا الى ما تريدون، وذهبت الحية.
وسار عفان و بلوقيا الى اليم فطليا أقدامهما ثم عبرا البحر و مشيا على الماء كما كانا يمشيان على الأرض حتى قطعا البحر الأوّل ثم الثانى،.
فإذا هما بجبل فى وسط البحر ليس بعال و لا متدان ترابه كالمسك، عليه غمام أبيض، و فيه كهف، و فى الكهف سرير من الذهب عليه شاب مستلق على قفاه ذو وفرة،
واضع يده اليمنى على صدره و اليسرى على بطنه بمنزلة النائم لكنه ليس بنائم و هو ميت، و على رأسه تنين و خاتمه فى الشمال..
قال : و كان ذلك سليمان بن داود عليهما السلام ، و ملك سليمان فى خاتمه، و كانت حلقته من ذهب و فصّه من ياقوت أحمر مربع.
، مكتوب عليه أربعة أسطر، فى كل سطر اسم من أسماء الله الأعظم.
و كان عند عفان علم من الكتاب، فقال بلوقيا : من هذا؟
قال : هذا سليمان بن داود، نريد أن نأخذ خاتمه فنملك ملكه ونرجو الحياة إلى أن يبعث الله محمدا.
فقال بلوقيا.: أليس قد سأل سليمان ربه: «ربّ هب لى ملكا لا ينبغى لأحد من بعدى» فأعطاه الله إياه على ما سأل، و لا ينال ملك سليمان إلى يوم القيامة لدعائه.
فقال عفان : يا بلوقيا اسكت إن الله معنا و معنا اسم الله الأعظم، ولكن أنت يا بلوقيا فاقرأ التوراة.
رحلة بلوقيا العجيبة.
فتقدم عفان لينزع خاتم سليمان من إصبعه،
فقال التّنين : ما أجرأك على الله!
إن غلبتنا باسم الله فنحن نغلبك بقوة الله.
قال : فكلما نفخ التنين ذكر بلوقيا اسم الله، فلم تعمل نفخات التّنين فيهما.
ودنا عفان من السرير لينزع الخاتم من إصبع سليمان، فاشتغل بلوقيا بالنظر إلى نزول جبريل من السماء،.
فلما نزل صاح بهما صيحة ارتجت الأرض والجبال وتزلزت منها واختلطت مياه البحار وماجت والتطمت حتى صار كل عذب ملحا من شدة صيحته،.
وسقط عفان على وجهه، و نفخ التنّين فخرجت من بطنه شعلة نار كأنها البرق الخاطف، فاحترق عفان و عادت نفخته فى البحر فما مرت البرقة بشىء إلّا أحرقته ولا بماء إلا أجاشته وأغلته..
و ذكر بلوقيا اسم الله الأعظم فلم ينله مكروه، ثم تراءى له جبريل فى صورة رجل فقال له : يابن آدم ما أجرأك على الله تعالى!
فقال له بلوقيا : من أنت رحمك الله؟
قال : أنا جبريل أمين رب العالمين.
قال له يا جبريل : إنما خرجت حبّا لمحمد ودينه ولم أقصد الخطأ ولم أتعمده.
قال : فبذلك نجوت.
ثم صعد جبريل إلى السماء،.
و مضى بلوقيا فطلى قدميه بذلك الدّهن فأضل الطريق الذى جاء منه و أخذ فى طريق آخر، و سار فقطع ستة أبحر و وقع فى السابع.
فإذا هو بجزيرة من ذهب حشيشها الورس والزعفران وأشجارها النخل والرمان.
قال بلوقيا : ما أشبه هذا المكان بالجنة على ما وصفت.
ثم دنا من بعض تلك الأشجار فتناول من ثمرها،
فقالت الشجرة : يا خاطئ ابن الخاطئ لا تأخذ منّى شيئا. فتعجب، وإذا بحيال الشجرة قوم يتراكضون، بأيديهم سيوف مسلولة، يتناوش بعضهم بعضا بالطعن والضرب..
فلما رأوا بلوقيا طافوا به وأحدقوا من ورائه وهموا به سوءا، فذكر اسم الله فهابوه و عجبوا منه وأغمدوا سيوفهم.
وقالوا بأجمعهم : لا إله إلا الله محمد رسول الله.
ثم قالوا له : من أنت يا عبد الله؟
قال : أنا من بنى آدم اسمى بلوقيا.
قالوا : نعرف آدم ولا نعرفك فما أوقعك إلينا؟.
قال : إنى خرجت فى طلب نبىّ يسمى محمدا و إننى قد ضللت عن الطريق الذى أردته فرأيت من الأهوال كذا و كذا.
قالوا : يا بلوقيا نحن من الجن مؤمنون، و نحن مع ملائكة الله فى السماء، ثم نزلنا إلى الأرض و قاتلنا كفرة الجن و نحن هاهنا مقيمون نغزوهم و نجاهدهم إلى يوم القيامة، و لسنا نموت إلى يوم القيامة و أنت لا تصبر معنا.
فقال بلوقيا لملك الجن : يا صخر، أخبرنى عن خلق الجن كيف كان؟
قال : لمّا خلق الله جهنم خلق لها سبعة أبواب و سبعة ألسن،.
حيليت و تمليت.
خلق منها خلقين : خلق فى سمائه سماه حيليت ، و خلق فى أرضه سمّاه تمليت ..
فأما حيليت فإنه خلق على صورة أسد، و تمليت فى صورة ذئب، و جعل الأسد ذكرا و الذئب أنثى، و جعل طول كل واحد منهما مسيرة خمسائة عام،.
وجعل ذئب الذئب بمنزلة ذنب العقرب، و ذنب الأسد بمنزلة الحيّة، وأمرهما أن ينتفضا فى النار انتفاضة ففعلا، فسقط من ذنب الذئب عقارب ، ومن ذنب الأسد حيات.
. فعقارب جهنم وحياتها من ذلك.
ثم أمرهما أن يتناكحا ففعلا، فحمل الذئب من الأسد فولد سبعة بنين و سبع بنات.
فأوحى الله تعالى إليهم أن يزوج البنات من البنين كما أمر آدم، فستة بنين أطاعوا و واحد لم يطع و لم يتزوّج فلعنه أبوه وهو إبليس..
و كان اسمه الحارث، و كنيته أبو مرة؛ فهذا أول خلق الجن.
ثم قال له : يا بلوقيا إن دوابّنا لا تثبت مع الإنس ولكن أجلل فرسى وأبرقعه حتى لا يعرف راكبه،.
فاركب عليه على اسم الله تعالى ؛ فإذا انتهيت إلى أقصى أعمالى على ساحل بحر كذا وإذا شيخ وشاب و مشايخ معهما فإنك ستلقاهما هناك فادفع الفرس إليهما وامض فى حفظ الله راشدا..
فجاء بلوقيا على الفرس حتى انتهى إليهم فسلم على الشيخ والشاب ونزل عن الفرس ودفعه إليهما..
وكان قد فصل من عند ملك الجن عند صلاة الغداة ووصل إليهما نصف النهار.
فقالا لبلوقيا : مذكم فارقت الملك؟
قال : فارقته غدوة.
فقالا له : ما أسرع ما جئت! قد أتعبت فرسنا..
فقال بلوقيا : والله ما مددت إليه يدا ولا حركت عليه رجلا ولم أركضه عنفا.
قالا : صدقت ولكن فرسنا أحس بك وبمنزلتك ، فطار ما بين السماء والأرض ليريح نفسه منك، فكم تراه جاء بك؟
قال : خمسة فراسخ أو أقل أو أكثر.
قالا : بل جاء بك مسيرة مائة وعشرين سنة، وكان يطير بك بين السماء والأرض حول الدنيا دون قاف وأنت لا تعلم.
فحولوا عنه السرج واللجام و البرقع و إذا العرق يقطر من كل شعرة منه، وله جناحان انقضا من كثرة الطيران..
فقال بلوقيا : هذا و الله العجب.
فقالوا : يا بلوقيا عجائب الله لا تنقضى.
ثم سلم عليهم ومضى فركب اليم.
الملك يوحاييل.
فبينما هو يسير إذ رأى ملكا إحدى يديه بالمشرق والأخرى بالمغرب
وهو يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
فسلم عليه بلوقيا، فقال له الملك :
من أنت أيها الخلق المخلوق؟
فقال : أنا بلوقيا وأنا من بنى إسرائيل من ولد آدم.
ثم قال له : أيها الملك ما اسمك؟.
قال : اسمى يوحاييل وأنا موكل بضوء النهار وظلمة الليل.
فقال : فما بال يديك مبسوطتين؟.
فقال له : فى يدى اليمنى ضوء النهار، وفى يدى اليسرى ظلمة الليل، ولو سبق النهار الليل لأضاءت السموات والأرضون،
ولم يكن الليل أبدا، ولو سبقت الظلمة النور لأظلمت السماء والأرض ولم يكن ضوء أبدا.
وبين يديه لوح معلق فيه سطران سطر أبيض وسطر أسود،
فإذا رأيت السواد ينتقص نقصت الظلمة، وإذا رأيت السواد يزيد زدت الظلمة،.
و إذا رأيت السطر الأبيض يزداد زدت فى البياض والنور، وإذا انتقص نقصت، فلذلك الليل فى الشتاء أطول والنهار أقصر؛ وفى الصيف النهار أطول والليل أقصر..
ثم سلم عليه بلوقيا ومضى، فإذا هو بملك قائم يده اليمنى فى السماء و يده اليسرى فى الأرض فى الماء تحت الثرى
وهو يقول : لا إله الله محمد رسول الله.
الملك ميخائيل..
فسلم عليه بلوقيا، فقال له : من أنت وما اسمك؟
قال اسمى بلوقيا : وأنا من بنى إسرائيل من ولد آدم.
قال له بلوقيا : أيها الملك ما اسمك؟.
قال : اسمى ميخاييل .
قال: فما لى أراك يمينك فى السماء وشمالك فى الماء؟
قال : أحبس الريح بيمينى والماء بشمالى، ولو رفعت شمالى عن الماء لزخرت البحار كلها فى ساعة واحدة ولطمت بإذن الله تعالى،.
ويدى اليمنى فى الهواء أحبس الريح عن بنى آدم لأنّ فى السماء ريحا يقال لها الهائمة لو أرسلنها لقتلت من فى السماء ومن فى الأرض من بردها.?
فسلم عليه بلوقيا و مضى، وإذا بأربعة من الملائكة، أحدهم رأسه كرأس الثّور ؛ والآخر رأسه كرأس النسر؛ والثالث رأسه كرأس الأسد؛ والرابع رأسه كرأس الإنسان.
فالذى رأسه كرأس الثّور يقول : اللهم ارفع العذاب عن البهائم، وارفع عنهم برد الشتاء وحرّ الصيف، واجعل لهم فى قلوب بنى آدم الرأفة والرحمة كيلا يكرهن ولا يكلفوهن فوق طاقتهن.
واجعلنى من أهل شفاعة محمد يوم القيامة. و أمّا الذى رأسه كرأس النسر فيقول : اللهم ارحم الطيور ولا تعذبها، وادفع عنها برد الشتاء وحر الصيف، واجعلنى من أهل شفاعة محمد يوم القيامة..
وأما الذى رأسه كرأس الأسد فإنه يقول : اللهمّ ارحم السّباع
ولا تعذبها وادفع عنها برد الشتاء وحرّ الصيف، واجعلنى من أهل شفاعة محمد يوم القيامة..
وأما الذى رأسه كرأس الإنسان فإنه يقول : لا إله إلا الله
محمد رسول الله، اللهم ارحم المسلمين ولا تعذبهم وادفع عنهم حر النار، واجعلنى من أهل شفاعة محمد يوم القيامة.
بلوقيا و جبل قاف.
فسلم عليهم ومضى حتى أتى على جبل قاف واذا هو بملك قائم على قاف، وهو جبل محيط بالدنيا من ياقوتة خضراء. فسلم بلوقيا على الملك،
فقال له : من أنت؟
فقال : أنا بلوقيا وأنا من بنى إسرائيل من ولد آدم.
فقال الملك : وأين تريد؟
قال : خرجت فى طلب من يسمى محمدا.
ولست أرى أمره ولا أدرى فى أىّ بلاد أنا.
فقال الملك : لا إله إلّا الله محمد رسول الله، قد أمرنا بالصلاة على محمد.
قال بلوقيا.: أيها الملك، ما اسمك؟
قال : اسمى حزقاييل.
قال : وما تصنع هنا؟
قال : أنا أمين الله على قاف، واذا فى يده وتر مرة يعقده ومرّة يحله، وعروق الأرض كلها مشدودة عليه والوتر فى كف الملك.
قال : فإذا أراد الله أن يضيق على عباده أمرنى أن أمد الوتر وأعقده وأرتق عروق الأرض فتضيق الدنيا على العباد والبلاد. وإذا أراد الله أن يوسّع عليهم أمرنى أن أرخى الوتر وأفتق عروق الأرض فتتسع الدنيا على العباد والبلاد..
و إذا أراد أن يخوّف قوما أمرنى أن أحرك عروق تلك الأرض،
فمن أجل ذلك موضع يهتز وموضع لا يهتز وموضع يتزلزل وموضع لا يتزلزل..
قال بلوقيا : أيها الملك، ما وراء قاف؟
قال : وراء قاف أربعون دنيا غير الدنيا التى جئت منها ، فى كل دنيا أربعمائة ألف باب، فى كل باب أربعة آلاف ضعف مثل الدنيا التى جئت منها،.
وليس فيها ظلمة بل كلها نور وأرضها ذهب عليها حجب من نور، وسكانها الملائكة لا يعرفون آدم ولا إبليس ولا جهنم.
فهم يقولون : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، لذلك ألهموا وله خلقوا وبه أمروا الى يوم القيامة.
قال بلوقيا : فما وراءهم ؟
قال : حجب ووراء الحجب علم الله وقدرته.
قال بلوقيا : أخبرنى أيها الملك على أى شىء هذا الجبل موضوعا؟.
قال : على قرنى ثور واسمه قرياطيه وهو أبيض، رأسه بالمشرق ومؤخره بالمغرب، وما بين قرنيه مسيرة ثلاثين ألف سنة وهو ساجد لربه على صخرة بيضاء..
قال بلوقيا : أيها الملك، كم الأرضون؟ وكم البحار؟
قال : الأرضون سبع، والبحار سبع.
قال : فجهنم أين هى؟
قال : تحت الأرض السابعة..
قال : فسلم بلوقيا عليه و مضى حتى انتهى الى حجاب طرفه فى السماء وأسفله فى الماء، عليه باب مقفل و عليه خاتم من نور، وعلى الباب ملكان أحدهما رأسه كرأس الثور، والآخر رأسه كرأس الكبش وبدنه كبدن الثور.
وهما يقولان : لا إله إلّا الله محمد رسول الله.
قال : فسلم بلوقيا عليهما فردا عليه السلام
وقالا : أيها الخلق الضعيف المخلوق من أنت؟ وما اسمك؟
قال : اسمى بلوقيا وأنا من بنى إسرائيل من ولد آدم..
فقالا : لا إله إلا الله محمد رسول الله، هذه أسامى ما عرفناها. قال بلوقيا : كيف عرفتم محمدا ولم تعرفوا آدم ومحمد من نسله؟.
فقالا : لهذا خلقنا وبذلك أمرنا، ولم نسمع باسم آدم ولا إسرائيل. فقال بلوقيا : فتحا لى الباب حتى أجوز.
فقالا : ما نحسن فتحه، وإن لله فى السماء ملكا اسمه جبرائيل عسى أن يقدر على فتحه.
فدعا بلوقيا فأمر الله تعالى جبريل فنزل عليه و فتح الباب،
ثم قال : يابن آدم ما أجرأك على الله ! ثم جاز بلوقيا حتى انتهى الى بحرين : بحر مالح وبحر عذب.
فلمّا وصل إليهما رأى بينهما حاجزا، و فى البحر المالح جبل من ذهب، وفى البحر العذب جبل من فضة، وبينهما ملك على صورة النمل ومعه ملائكة على تلك الصورة.
فسلم عليهم فردوا عليه السلام
وقالوا له : من أنت؟ فأخبرهم بقصّته.
ثم قال بلوقيا : من أنتم؟
قالوا : نحن أمناء الله تعالى على هذين البحرين لا يلتقيان
ولا يبغيان.
فقال لهم بلوقيا : ما هذا الجبل الأحمر؟
قالوا : هذا كنز الله فى الأرض وكل ذهب فى الأرض إنما هو من نصاب هذا الجبل، وكل ما فى الدنيا من ماء عذب هو من هذا البحر..
وهذا البحر إنما يجىء من تحت العرش من قبل أن خلق الله تعالى الملائكة ؛ وكل ما يجرى من ماء مالح فهو من ذلك البحر الملح..
وهذا الجبل الأبيض هو من فضة وهو كنز الله تعالى ؛.
وكل كنز فى الدنيا وكل معدن فضّة فهو من عروق هذا الجبل.
فسلم بلوقيا عليهم ومضى حتى انتهى الى بحر عظيم، فإذا هو بحيتان كثيرة عظيمة وقد اجتمعت وبينها حوت عظيم يقضى بين الحيتان.
فلمّا نظر الى بلوقيا قال : لا إله إلا الله محمد رسول الله..
فسلم بلوقيا وأخبره بحال النبىّ وأنه خرج فى طلبه، فرد السلام
ثم قال : يا بلوقيا، إن لقيت محمدا فأقرئه منّى السلام.
فقال : نعم إن شاء الله.
ثم قال : أيّتها الحيتان إنى جائع عطشان و ماء البحر ملح وما أجد ما آكل.
فقال الحوت الأعظم : يا بلوقيا سأطعمك طعاما تسير أربعين سنة لا تعيا ولا تجوع ولا تعطش،.
قال : فأطعمه ذلك الحوت قرصا أبيض، فأكله ومضى حتى بلغ العمران.
قال : ومن قبل أن يبلغ العمران رأى شابا يجرى على الماء كأنه البدر.
فقال له بلوقيا : من أنت؟
قال : سل الذى خلفى. فسار بلوقيا يوما وليلة فإذا هو بآخر يمر على الماء ضوءه كضوء النجوم.
فقال له بلوقيا : يا فتى، من أنت؟
قال : سل الذى خلفى..
فسار بلوقيا يوما وليلة، فإذا هو بشاب كأنه القمر يلوح فى آخر الشمس ،
فقال بلوقيا : أنشدك الله إلا وقفت.
قال : فوقف وقال : لماذا استحلفتنى؟.
قال : خشيت أن تفوتنى مثل أصحابك الماضين، فمن كان الأوّل؟
قال : إسرافيل صاحب الصور، والثانى ميكائيل صاحب المطر، والثالث جبرائيل أمين رب العالمين.
فقال بلوقيا : ماذا تصنعون فى اليم؟
قال جبريل : حية من حيات البحر قد آذت سكانه، فدعوا الله عليها فاستجاب الله دعاءهم وأمرنا أن نسوقها الى جهنم ليعذب الله بها الكفار يوم القيامة.
قال بلوقيا : كم طولها وكم عرضها؟
قال : طولها مسيرة ثلاثين سنة، وعرضها مسيرة عشرين سنة.
فقال بلوقيا : يا جبريل، أيكون فى جهنم مثل هذه أو أكبر منها؟.
فقال جبريل : إنّ فى جهنم من الحيّات ما تدخل هذه فى أنف إحداهن ولا تشعر بها من عظم خلقتها..
فسلم بلوقيا عليه ومضى الى جزيرة أخرى، وإذا هو بغلام أمرد بين قبرين، فسلم عليه بلوقيا
وقال : يا شاب، من أنت وما اسمك؟
قال : اسمى صالح.
قال : فما هذان القبران؟
قال : أحدهما أبى والآخر أمى، كانا سائحين فماتا هاهنا، وأنا عند قبريهما حتى أموت.
فسلم بلوقيا و مضى حتى انتهى الى جزيرة، فإذا هو بشجرة عظيمة عليها طائر رأسه من ذهب، وعيناه من ياقوت، ومنقاره من لؤلؤ، وبدنه من زعفران، وقوائمه من زمرد، واذا مائدة موضوعة تحت الشجرة وعليها طعام وحوت مشوى.
فسلم عليه بلوقيا فردّ عليه الطائر السلام.
فقال بلوقيا : أيها الطائر من أنت؟
قال : أنا من طيور الجنة، وأن الله تعالى بعثنى الى آدم بهذه المائدة لما هبط من الجنة وكنت معه حتى لقى حواء، وأنا هاهنا من ذلك الوقت،.
وكل غريب وعابر سبيل يمر بها ويأكل منها،
وأنا أمين الله عليها الى يوم القيامة.
فقال بلوقيا : ولا تتغير ولا تنقص!
قال : طعام الجنة لا يتغير ولا ينقص.
بلوقيا و الخضر.
فقال لبلوقيا : كل فأكل حاجته،
ثم قال : أيها الطائر، هل معك أحد؟
قال: معى أبو العباس يأتينى أحيانا.
قال : ومن أبو العباس؟ قال : الخضر.
فلمّا ذكر اسمه اذا هو بالخضر عليه السلام قد أقبل عليه ثياب بيض.
قال : فما خطا خطوة إلا نبت الحشيش تحت قدميه.
فسلم عليه بلوقيا وسأله عن حاله.
قال بلوقيا : قد طالت غيبتى وأريد أن أرجع الى أمى.
قال الخضر : بينك وبينها مسيرة خمسمائة سنة، أنا أردك فى مسيرة خمسمائة شهر.
قال الطائر : إن كان بينك وبين أمك مسيرة خمسمائة سنة أنا أردك مسيرة خمسمائة يوم.
قال الخضر : أنا أردك إليها فى ساعة.
ثم قال : غمض عينيك فغمضهما
ثم قال له : افتحهما ففتحهما، وإذا هو عند أمه جالس.
فسألها : من جاء بى؟
فقالت : جئت على متن طائر أبيض يطير بين السماء والأرض فوضعك قدامى.
قال : ثم إن بلوقيا حدث بنى إسرائيل بما رأى من العجائب والأخبار، فأثبتوها و كتبوها الى يومنا هذا..
فهذا ما كان من حدبث بلوقيا. والله أعلم.
إجتهدت فنقلت وحللت فإن كان بما ذكرت خطأ فمن نفسي و إن كان على صواب فهو من عند الله ، وما يخالف كلام الله ورسوله صلى اللّٰه عليه وسلم اضربوا به عرض الحائط ،
ويبقى العلم عند ربي علام الغيوب.
المصادر : كتب القزويني
ابن الوردي
بعض الروايات من الأثر