خريطة الأرض المسطحة ليست إسقاطا ثنائي الأبعاد لنمُوذج الكرة

يعتقد البعض -واهما- ان لخريطة المعتمدة لدينا -خريطة الأرض المسطحة- هي مجرد إسقاط فقط لنموذج الكرة.

و يقصدون : انه لما أتيتم -أيها المعتقدون بالتسطح- لترسموا خريطةً لشكل أرضكم ، قُمتم فقط بإسقاط مُجسم الكرة على ورقة ثنائية الأبعاد! اي ان الأصل هو الخريطة الكروية !

وهذا الكلام عاري تماما_من_الصحة و سأرد عليه من خلال جانبين : تاريخيا و هندسيا.

تاريخيا….

ما لا يعرفه الكثيرين هو أن خريطة الارض المسطحة هي الأقدم تاريخيا من خريطة الارض الكروية ، هذا لا يختلف عليه اثنان ، فحتى المجتمع العلمي المعاصر يعترف بذلك.

كون أن جميع الحضارات القديمة بإختلاف أجناسها (الحضارة السومارية ، البابلية ، الاغريقية ، الصينية ، الهندية ، المصرية القديمة ، المايا ، …الخ ) كانت مُجمِعةً على حقيقة الأرض المسطحة.
كما أن ايضا جميع الديانات و الكتب السماوية تقول سطحية الأرض.

وقد رسموا على مدار التاريخ عدة خرائط متشابهة -قريبة من الخريطة المسطحة الحالية-

و تحسنت مع تتالي العصور بتقدم تقنيات المسح الجغرافي و توفر الامكانيات جيلا بعد جيل.
في حين ان اعتماد النموذج الكروي و اقحام كروية الارض في مناهج التعليم بصفة رسمية في بعض جامعات أوروبا كان في أواخر القرن السابع_عشر فقط.

، (اما الحديث عن كروية الارض كفكرة فلسفية فهي قديمة جدا و ترجع الى هرطقات فلاسفة اليونان كفيثاغورث -حسب ادعاءاتهم طبعا-)

من اقدم الخرائط الموجودة للارض المسطحة عربيا هي خريطة_العلامة_المسعودي (896 – 957 م) وهو مؤرخ ، و جغرافي من أشهر العلماء العرب والمعروف بهيرودوتس العرب ، وهو كان قبل الادريسي بحوالي القرنين.

تظهر في هذه الخارطة ارض القارة الامريكية والتي سماها الادريسي من بعده بالارض المجهولة. مما يثبث ان المسلمين أول من وصلوا الامريكيتين. -سأخصص مقالا منفصلا لعرض أدلة ذلك و بالمراجع-
ولاحظوا كيف ان المسعودي رسم المحيط يحيط بالارض من كل الجوانب ، وهذا هو الواقع.

وايضا: خريطة بيري ريس العثماني.

وأنجز الريس بيري خريطته الأولى في عام 1513 ثم قدمها للسلطان سليم الأول، و تضم إسبانيا وشرق إفريقيا والمحيط الأطلسي كما تبدو جلية سواحل_البرازيل و أمريكا الجنوبية.

أما الخريطة الثانية فهي خريطة للعالم تحمل تاريخ 1528 م وتضم الجزء الشمالي للمحيط الأطلسي وشواطئ الشمال في أمريكا الشمالية من جرينلاند حتى شبه جزيرة فلوريدا.

وأهم ما يميز هذه الخريطة أن الجزر وبعض الشواطئ رسمت بشكل أقرب للواقع ، فلقد أظهرت مكانا دقيقا للجزر في المحيط الاطلسي وكذا شكل السواحل للقارتين الأمريكيتين وهذا ما يعده الخبراء بالأمر المستحيل قياسا بالتطور العلمي في تلك الحقبة.

اذ تم العثور على هذه الخريطة الفريدة سنة 1923 و تم اخضاعها للدراسة بإرسالها الى الوكالة الجغرافية لقوات البحرية الأمريكية حيث درسها خبير الخرائط القديمة “Arlington H. Mallery.

ولإختبار دقة هذه الخريطة القديمة قام بصنع نموذج لها ووضعها على خريطة حديثة ، فأذهله التطابق التام لجميع القارات في الخريطتين.

وتوصل هذا الخبير إلى نتيجة قاطعة مفادها أن مثل هذه الدقة المتناهية لا يمكن الحصول عليها من دون مسح جوي لليابسة على الأرض ، مشددا على أنه لرسم مثل هذه الخارطة يتعين أن يكون صاحبها على معرفة بعلم امثلثات الكروي الذي ظهر أول وصف له في أواخر القرن السادس عشر ، بعد رسم الخريطة.

كذلك رسم خارطة العالم المستكشف ألكسندر غليسون ونشرها عام 1892 م والمشهورة باسم:

خارطةغليسون_Gleasons_Map.

وهي نفس خريطة الأرض المسطحة الحالية وقال بأنها خارطة وفق المعايير العلمية المعتمدة آنذاك ، ووصفها بأنها علميا وتطبيقيا صحيحة تماما كما هي.

، و تمت الموافقة عليها بترخيص من عدة دول: بريطانيا ، كندا ، فرنسا ، الدنمارك ، السويد ، المانيا ، النمسا.

طبعت هذه الخارطة بواسطة شركة “بفالو” للطباعة في ولاية نيويورك -سأخصص مقالا منفردا لشرح خريطة غليسون لاحقا للأستاذ العيد القحيطان-

وإستشهد بأرقام المسافات المقطوعة من سجلات التوثيق الرسمية لرحلات السفن في الشمال والجنوب والتي لا تتناسب مع الأرض الكرة.

جميع الخرائط على مدى التاريخ دون إستثناء تعتمد في الأصل على خريطة الأرض المسطحة ، و تتوافق جميعا على عدة مسلمات منها:
مواضع القارات بالنسبة لبعضها البعض.
جميع القارات-اليابسة- يحيط بها محيط مائي من كل جهاتها.
يحيط بكل محيطات و قارات العالم جدار جليدي و قارة متجمدة.

تطوقها من كل جهة ، وقد اطلقوا عليها عدة اسماء ، كما أطلقوا على المحيط الأطلسي بحر الظلمات لأنهم كانوا يخشون الإبحار فيه قديما ، لعلمهم أن الارض ليست كروية و لن يرجعوا لنفس مكانهم ،.

فهم كانوا يدركون جيدا ان الارض ممتدة و كذلك المحيطات ، وارجوك عزيزي الكروي لا تقل لي رحلة ماجلان !! فلقد تم تقديمها للناس بطريقة توحي لهم ان الارض كروية بينما الحقيقة غير ذلك.

اذا ومن خلال هذا السرد التاريخي يتضح للجميع ان الأصل و الأقدم تاريخيا هي خريطة الأرض المسطحة.

ولأن الكروي يعلم يقينا صحة خريطة الارض المسطحة لأنها عملية على ارض الواقع و يتم من خلالها كل السفريات و الرحلات بدقة جد متناهية كما انها ايضا معتمدة في الحروب و الخطط الحربية ،.

فأي دولة ستجازف بوجودها باتباع خريطة غير صحيحة!
المهم ، ولهذا كله لم يجد صديقنا الكروي الا مهربا وحيدا و هو نسبة هذه الخريطة -غليسون- الى الأرض الكروية بإعتبارها أحد الإسقاطات الخرائطية لمجسم الكرة ، و هذا الإدعاء يقودنا للإنتقال للجزء الثاني من المقال.

هندسيا…..

يعتقد البعض -واهماً – أن الخريطة المعتمدة لدينا هي إسقاط من الشكل الكروي بل و حددوا له نوع إسقاط معين و أسموه بالإسقاط السمتي.

في علم المساقط ، المسقط السمتي يسمى بالمسقط الإتجاهي و يرسم هذه المسقط على سطح مستوي يمس ( الكره الارضية ) عند نقطة معينة تتوسط المنطقة المطلوب بيانها على الخريطة ،.

و لا يتم إستخدام الإسقاط السمتي ( الإتجاهي ) لتمثيل مناطق_كبيرة حيث سيكون التشوه في أطراف الخريطة غير_محدود و لن يمثل الشكل الناتج من الاسقاط الشكل الاصلي.
طرق الإسقاط الاتجاهي في الصورة رقم 1.

وهناك بعضهم من يضيف من جيبه و يقول أنها رُسمت بطريقة الإسقاط المركزي حيث يكون مركز الخريطة هو نقطة القطب الشمالي ، كما هو الحال في خريطة الارض المسطحة.

المسقط المركزي لمن لا يعرف هو نوع من الإسقاط السمتي نفسه ، و نقطة الإسقاط تكون هي نقطة مركز الكرة.
ونقطة تماس السطح المستوي الذي سيتم الاسقاط عليه تكون على أي مكان على هذه الكرة.

، هم يعتقدون أن الخريطة رُسمت بطريقة الاسقاط المركزي القطبي حيث نقطة التماس هذه هي نقطة القطب الشمالي -الصورة رقم 2.

مثال :

عندك كرة في مركزها مصدر ضوء و عندك لوحة رسم مستوية تتماس مع نقطة القطب الشمالي لهذه الكرة ،.

لو استطعت أن تسقط خريطة العالم كلها من هذه الكرة بهذه الطريقة ستكون عبقري زمانك الذي لم يسبقه أحد و سنرفع لك القبعة.

ببساطة هذا الإسقاط لا يستطيع أن يصل الى خط الإستواء أصلا و سيزداد التشوه كثيرا كلما ابتعدنا عن نقطة القطب الشمالي بالإقتراب الى الإستواء ، و لن تظهر تفاصيل الخريطة اصلا بعد عبور الإستواء.
مقتبس من مقال المهندس أحمد فتوح – راجع الرابط لكي تشاهد الصور

خريطة الأرض المسطحة ليست إسقاطا للنموذج الكروي.

و لم تكن كذلك ، هي خريطة مرسومة طبقا للقواعد الجغرافية في رسم الخرائط و لا يمكن إسقاطها من شكل كروي ( هندسيا ) و لكن العكس صحيح ، تستطيع أن تأخذ خريطة الأرض المسطحة و تسقطها على شكل كروي.

علم المساقط علم كبير لا تأخذوا قشوره فقط و تتسرعوا في المحاججة كالعاده دون معرفة.

حتى الإسقاط الكروي نفسه له الكثير من الأشكال و الأنواع و به من التشوهات و التعديلات الكثير ، وسنتطرق لبعض منها في قادم الأيام..

حسام الدين جوادي