الشدة المستنصرية (المجاعة القاتلة التي ضربت مصر.
كارثة مفجعة بمعني الكلمة..
من منكم سمع عن الشدة المستنصرية… القصة في مصر و في عهد الخليفة الفاطمي المستنصر بالله، كانت مصر علي موعد مع أكبر فاجعة وكارثة يمكن أن تتخيلها.
مصر التي لا يخطر علي عقل أي إنسان أن تمر بها مجاعة شديدة، مجاعة كيف ومصر بها نهر النيل يجري دائما منذ الاف السنين.
و لكن هذا مع الأسف الواقع الذي حل علي مصر في ذلك العهد، حيث ساد وقتها الظلم و التمسك بالسلطة و غفلة الحكام عن الشعوب. حيث ساد الظلم و تفشي في كل جوانب البلاد.
إلا أن الكارثة الحقيقية كانت في نقصان منسوب نهر النيل فكان ذلك بمثابة بداية الجوع و الفقر المدقع في مصر.
الشدة المستنصرية..
ذكر المؤرخ الكبير تقي الدين أبو العباس أحمد بن علي المقريزي، في كتابه( إغاثة الأمة بكشف الغمة). عن الشدة المستنصرية و الذي قام بكتابته عام 1442 من الميلاد و كان يصف تلك المجاعة القاتلة…
(لقد تصحرت أرض مصر و هلك الحرث و النسل، وخطف الخبز من علي رؤوس الخبازين، و أكل الناس القطط و الكلاب.
حتي أن بغلة وزير الخليفة الذي ذهب للتحقيق في إحدي الحوادث، تم سرقتها و أكلها..
بل لقد جاع الخليفة نفسه لدرجه أنه باع ما كان علي مقابر أبائه من رخام. و تصدقت عليه إبنة أحد علماء زمانه. و قد خرجت النساء جياع يتظاهرن.
كانت مجلة تايم الأمريكية قد نشرت تحقيقا صحفيا في عام 1947 من الميلاد.
جاء في التحقيق الصحفي، أن أول مظاهرة نسائية في العالم قمات بها سيدات من مصر، و ذلك في عهد الخليفة الفاطمي المستنصر بالله.
عجائب ماقد حدث في تلك المجاعة..
حيث جف نهر النيل، و كانت قائدة هذه المظاهرة النسائية هي أرملة الأمير جعفر ابن هشام.
و بالبحث عن ماذكرته مجلة التايم فقد وجدت هذه الواقعة في كتاب المقريزي، يقول فيها.. :
(من غريب ما قد وقع، أن إمرأة من أرباب البيوت قد أخذت عقد لها كانت قيمته ألف دينار، ثم قامت بعرضه للبيع علي جماعة مقابل أن يعطوها دقيقا بدلا منه.
و كان الكل يعتذر إليها و يدفعها عن نفسه حتي وافقها بعض الناس، فباع إليها شوال من الدقيق.
و كانت تعيش في القاهرة، فلما أخذت الدقيق قامت بإعطاءه! لمن يحميه من اللصوص في الطريق.
فلما وصلت إلي باب! زويلة تسلمت الدقيق ومشت به قليلا، إلا أن الناس تكاثروا عليها و انتهبوا من الدقيق، فأخذت هي أيضا مع الناس منه ملء يديها، ولم ينبها أكثر من ذلك.. ثم عجنته وخبزته إلي أن صار قرصة.
أأخذت القرصة معها و توصلت إلي باب من أبواب القصر، ثم وقفت علي مكان مرتفع، فرفعت القرضة علي يديها بحيث يراها الناس، ثم نادت بأعلي صوتها. وهي تسب وتشتم الخليفة..
يا أهل القاهرة، إدعو لمولانا المستنصر الذي أسعد الله الناس بأيامه، و حل عليهم عهده بالبركات حتي حصلت علي هذه القرصة بألف دينار..
كانت الشدة المستنصرية أو المجاعة بداية لضعف شخصية الخليفة و ققد السيطرة علي الكثير ممن كانوا حوله من الوزراء، فانتشرت الفوضي و بارت الأراضي الزراعية و إنتشرت الأمراض و تفاقمت المحنة..
تلك المجاعة قد أبادت ثلثي الشعب المصري، فإنتشرت السرقات و السطو المسلح وساد الإنفلات الأمني.
بل و وصل الحال بالناس بأاهم أكلوا الميتة و الجيفة و القطط و الكلاب.
و روث البهائم من شدة الجوع، فكان سعر الكلب خمسة دينار و سعر القطة ثلاثة دينار.
أما رغيف الخبز فقد وصل سعره إلي خمسة عشر دينارا و كان مبلغا ضخما.
وكانت الحرائر من النساء يبعن أولادهن وبناتهن كعبيد و جواري.
المجاعة القاتلة التي ضربت مصر..
و قد ذكر إبن إياس من العجائب التي لا يكاد يصدقها عقل في زمن تلك المجاعة ( الشدة المستنصرية) ، . ذكر منها ( أن الكلب كان يدخل إلي البيت فيأكل الطفل الصغير و كان أبواه ينظرون إليه فلا يستطيعان النهوض لدفعه عن ولدهما، و ذلك من شدة الجوع و الضعف.
فساءت الأحوال و إشتد الأمر حتي صار الرجل يأخذ إبن جاره ويذبحه و يأكله، فلاينكر عليه أحد من الناس.
كان! الناس في الطرقات إذا قوي القوي علي الضعيف ذبحه و أكله
يذكر أيضا بأنه كانت تصنع الخطاطيف و الكلاليب و ذلك لإصطياد المارة في الشوارع لذبحهم و أكلهم.
و نقص و تراجع عدد سكان مصر بشكل لم يسبق له مثيل غي تاريخها كله.
ثم ظهر والي عكا و هو بدر الجمالي و الذي تم استدعاؤه إلي مصر و قام بتولي وزارتها فبدأت الأحوال بالتحسن،.
حيث كان ذو سياسة إقتصادية حكيمة، وعاد النيل مرة أخري في الجريان بفضل الله تعالي. و رويدا رويدا تحسنت الأحوال.
و من شدة حب الناس لبدر الجمالي كاانوا يخرجون مهللين بإسمه و تم إطلاق إسمه علي حي الجمالية بعد ذلك .
المصادر :
كتاب المقريزي إغاثة الأمة بكشف الغمة.
مجلة الإثنين و الدنيا 15 ديسمبر 1947.