الرجل الذي وصل إلى منتهى النيل وأرض الذهب.

هل تعلم من هو الرجل الذي وصل إلى منتهى منبع النيل؟. يقول أبو الشيخ الأصبهاني :

حَدَّثَنَا أَبُو الطَّيِّبِ أَحْمَدُ بْنُ رَوْحٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ الْقَنْطَرِيُّ – شَيْخٌ بِهَا ذَكَرَهُ ابْنُ بَطَّالٍ فِي الثِّقَاتِ، وَقَالَ الْخَطِيبُ : كَانَ ثِقَةَ ابْنِ دَاوُدَ – حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ : حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ :

هروب حائد إلى مصر.

” زَعَمُوا وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، أَنَّهُ كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي الْعِيصِ يُقَالُ لَهُ :
حَائِدُ بْنُ أَبِي سَالُومِ بْنِ الْعِيصِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ،
وَأَنَّهُ خَرَجَ هَارِبًا مِنْ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِهِمْ حَتَّى دَخَلَ أَرْضَ مِصْرَ،

دعائه لله أن يرى منتهى النيل.

فَأَقَامَ بِهَا سِنِينَ، فَلَمَّا رَأَى أَعَاجِيبَ نِيلِهَا، وَمَا يَأْتِي بِهِ، جَعَلَ لِلَّهِ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُفَارِقَ سَاحِلَهُ حَتَّى يَبْلُغَ مُنْتَهَاهُ، وَمِنْ حَيْثُ يَخْرُجُ أَوْ يَمُوتُ قَبْلَ ذَلِكَ فَسَارَ عَلَيْهِ،

فَقَالَ بَعْضُهُمْ : ثَلَاثِينَ سَنَةً فِي النَّاسِ، وَثَلَاثِينَ سَنَةً فِي غَيْرِ النَّاسِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: خَمْسَةَ عَشَرَ كَذَا، وَخَمْسَةَ عَشَرَ كَذَا،

وصول حائد إلى بحر أخضر ومقابلته بعمران.

حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَحْرٍ أَخْضَرَ، فَنَظَرَ إِلَى النِّيلِ يَنْشَقُّ مُقْبِلًا، فَصَعَدَ عَلَى الْبَحْرِ، فَإِذَا بِرَجُلٍ قَائِمٍ يُصَلِّي تَحْتَ شَجَرَةِ تُفَّاحٍ، فَلَمَّا رَآهُ اسْتَأْنَسَ بِهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ الرَّجُلُ صَاحِبُ الشَّجَرَةِ

فَقَالَ لَهُ : مَنْ أَنْتَ؟

قَالَ : أَنَا حَائِدُ بْنُ أَبِي سَالُومِ بْنِ الْعِيصِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ،
فَمَنْ أَنْتَ؟

__قَالَ : أَنَا عِمْرَانُ بْنُ فُلَانِ بْنِ الْعِيصِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، فَمَا الَّذِي جَاءَ بِكَ هَاهُنَا يَا حَائِدُ؟

قَالَ : جِئْتُ مِنْ أَجْلِ هَذَا النِّيلِ، فَمَا جَاءَ بِكَ يَا عِمْرَانُ؟

__فقَالَ : جَاءَ بِي الَّذِي جَاءَ بِكَ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ،
فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيَّ، أَنْ قِفْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ حَتَّى يَأْتِيَنِي أَمْرُهُ،

فَقَالَ لَهُ حَائِدٌ : أَخْبَرَنِي يَا عِمْرَانُ مَا انْتَهَى إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ هَذَا النِّيلِ، وَهَلْ بَلَغَكَ أَنَّ أَحَدًا مِنِ ابْنِ آدَمَ يَبْلُغُهُ؟

__قَالَ لَهُ عِمْرَانُ : نَعَمْ، قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا مِنْ وَلَدِ الْعِيصِ يَبْلُغُهُ،
وَلَا أَظُنُّهُ غَيْرُكَ يَا حَائِدُ،

فَقَالَ لَهُ حَائِدُ : يَا عِمْرَانُ، أَخْبَرَنِي كَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَيْهِ؟

قَالَ لَهُ عِمْرَانُ : لَسْتُ أُخْبِرُكَ بِشَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَجْعَلَ لِي مَا أَسْأَلُكَ

فقَالَ : وَمَا ذَاكَ يَا عِمْرَانُ؟

قَالَ : إِذَا رَجَعْتَ إِلَيَّ وَأَنَا حَيٌّ أَقَمْتَ عِنْدِي حَتَّى يُوحَى إِلَيَّ بِأَمْرِهِ أَوْ يَتَوَفَّانِي، فَتَدْفِنَنِي، وَإِنْ وَجَدْتَنِي مَيِّتًا دَفَنْتَنِي وَذَهَبْتَ.

قَالَ لَهُ : ذَلِكَ لَكَ عَلِيَّ.

الدابة العملاقة.

فَقَالَ لَهُ : سِرْ كَمَا أَنْتَ عَلَى هَذَا الْبَحْرِ، فَإِنَّكَ سَتَأْتِي دَابَّةً تَرَى آخِرَهَا، وَلَا تَرَى أَوَّلَهَا، فَلَا يَهُولَنَّكَ أَمَرَهَا، ارْكَبْهَا فَإِنَّهَا دَابَّةٌ مُعَادِيَةُ الشَّمْسِ،
إِذَا طَلَعَتْ أَهْوَتْ إِلَيْهَا لِتَلْتَقِمَهَا حَتَّى تَحُولَ بَيْنَهَا، وَبَيْنَ حَجَبَتِهَا،
فَإِذَا غَرَبَتْ أَهْوَتْ إِلَيْهَا لِتَلْتَقِمَهَا، تَذْهَبُ بِكَ إِلَى جَانِبِ الْبَحْرِ، فَسِرْ عَلَيْهَا زَحْفًا حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى النِّيلِ، فَسِرْ عَلَيْهَا

فَإِنَّكَ سَتَبْلُغُ أَرْضًا مِنْ حَدِيدٍ حَيَّاتُهَا وَأَشْجَارُهَا، وَسُهُولُهَا حَدِيدٌ،
فَإِنْ أَنْتَ جُزْتَهَا وَقَعْتَ فِي أَرْضٍ مِنْ نُحَاسٍ جِبَالُهَا وَأَشْجَارُهَا، وَسُهُولُهَا مِنْ نُحَاسٍ،
،  فَإِنْ أَنْتَ جُزْتَهَا وَقَعْتَ فِي أَرْضٍ مِنْ فِضَّةٍ، جِبَالُهَا، وَأَشْجَارُهَا، وَسُهُولُهَا مِنْ فِضَّةٍ،
فَإِنْ أَنْتَ جُزْتَهَا وَقَعْتَ فِي أَرْضٍ مِنْ ذَهَبٍ جِبَالُهَا وَأَشْجَارُهَا، وَسُهُولُهَا مِنْ ذَهَبٍ فِيهَا يَنْتَهِي إِلَيْكَ عِلْمُ النِّيلِ.

الرجل الذي وصل إلى منتهى منبع النيل.

أرض الذهب.

قَالَ : فَسَارَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى أَرْضِ الذَّهَبِ، فَسَارَ فِيهَا حَتَّى انْتَهَى إِلَى سُوَرٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَشُرْفَةٍ مِنْ ذَهَبٍ،
وَقُبَّةٍ مِنْ ذَهَبٍ لَهُ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ،

وَنَظَرَ إِلَى مَا يَنْحَدِرُ مِنْ فَوْقِ ذَلِكَ السُّورِ حَتَّى يَسْتَقِرَّ فِي الْقُبَّةِ،
ثُمَّ يَتَفَرَّقَ فِي الْأَبْوَابِ الْأَرْبَعَةِ، فَأَمَّا ثَلَاثَةٌ فَتُفِيضُ فِي الْأَرْضِ،

، وَأَمَّا وَاحِدٌ فَيَنْشَقُّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَهُوَ النِّيلُ، فَشَرِبَ مِنْهُ وَاسْتَرَاحَ، وَانْهَوَى إِلَى السُّورِ لِيَصْعَدَ،

ملك يلتقِ بحائد ورؤيته مخرج النيل وبقية الانهار.

فَأَتَاهُ مَلَكٌ فَقَالَ لَهُ : يَا حَائِدُ، قِفْ مَكَانَكَ فَقَدِ انْتَهَى إِلَيْكَ عِلْمُ هَذَا النِّيلِ، وَهَذِهِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّمَا يَنْزِلُ مِنَ الْجَنَّةِ

فَقَالَ : أُرِيدُ أَنْ أَنْظُرَ مَا فِي الْجَنَّةِ

_فَقَالَ : إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ دُخُولَهَا الْيَوْمَ يَا حَائِدُ.

فقَالَ : فَأَيُّ شَيْءٍ هَذَا الَّذِي أَرَى؟

قَالَ : هَذَا الْفَلَكُ الَّذِي يَدُورُ فِيهِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، وَهُوَ شِبْهُ الرَّحَى

_قَالَ : إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَرْكَبَهُ فَأَدُورَ فِيهِ.

فقالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّهُ قَدْ رَكِبَهُ فِي دَارِ الدُّنْيَا،
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَرْكَبْ.

فَقَالَ لَهُ : يَا حَائِدُ إِنَّهُ سَيَأْتِيكَ مِنَ الْجَنَّةِ رِزْقٌ، فَلَا تُؤْثِرَنَّ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا، فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِشَيْءٍ مِنَ الْجَنَّةِ يُؤْثَرُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا، إِنْ لَمْ يُؤْثَرْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا بَقِيَ مَا بَقِيَتَ.

قَالَ : فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ وَاقِفًا إِذْ نَزَلَ عَلَيْهِ عُنْقٌودٌ مِنْ عِنَبٍ فِيهِ
ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ : لَوْنٌ كَالزَّبَرْجَدِ الْأَخْضَرِ، وَلَوْنٌ كَالْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ، وَلَوْنٌ كَاللُّؤْلُؤِ الْأَبْيَضِ،

ثُمَّ قَالَ : يَا حَائِدُ، أَمَا إِنَّ هَذَا مِنْ حَصْرَمِ الْجَنَّةِ، وَلَيْسَ مِنْ طَيِّبِ عِنَبِهَا، فَارْجِعْ يَا حَائِدُ، فَقَدِ انْتَهَى إِلَيْكَ عِلْمُ النِّيلِ

فَقَالَ : هَذِهِ الثَّلَاثَةُ الَّتِي تَغِيضُ فِي الْأَرْضِ مَا هِيَ؟

قَالَ : أَحَدُهَا الْفُرَاتُ، وَالْآخَرُ الدِّجْلَةُ، وَالْآخَرُ جِيحَانُ، فَارْجِعْ فَرَجَعَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الدَّابَّةِ فَرَكِبَهَا،

عودة حائد إلى عمران.

فَلَمَّا هَوَتِ الشَّمْسُ لِتَغْرُبَ قَذَفَتْ بِهِ مِنْ جَانِبِ الْبَحْرِ فَأَقْبَلَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى عِمْرَانَ، فَوَجَدَهُ حِينَ مَاتَ فَدَفَنَهُ، وَأَقَامَ عَلَى قَبْرِهِ ثَلَاثًا،

فَأَقْبَلَ شَيْخٌ مُتَشَبِّهٌ بِالنَّاسِ، أَغَرُّ مِنَ السُّجُودِ، فَبَكَى عَلَى عِمْرَانَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى حَائِدٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ

ثُمَّ قَالَ : يَا حَائِدُ، مَا انْتَهَى إِلَيْكَ مِنْ عِلْمِ هَذَا النِّيلِ؟ فَأَخْبَرَهُ،

فَلَمَّا أَخْبَرَهُ قَالَ لَهُ الرَّجُلُ : هَكَذَا نَجِدُهُ فِي الْكُتُبِ، ثُمَّ أَطْرَى ذَلِكَ التُّفَّاحَ فِي عَيْنِهِ،

فَقَالَ : أَلَا تَأْكُلُ مِنْهُ؟

قَالَ : مَعِي رِزْقِي قَدْ أُعْطِيتُهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَنُهِيتُ أَنْ أُوثِرَ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا،

فَقَالَ : صَدَقْتَ يَا حَائِدُ، وَلَا يَنْبَغِي لِشَيْءٍ مِنَ الْجَنَّةِ، يُؤْثَرُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا، وَهَلْ رَأَيْتَ فِي الدُّنْيَا مِثْلَ هَذَا التُّفَّاحِ، إِنَّمَا أُنْبِتَ فِي أَرْضٍ لَيْسَتْ فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا هَذِهِ الشَّجَرَةُ أَخْرَجَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِعِمْرَانَ مِنَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُ مِنْهَا، وَمَا تَرَكَهَا إِلَّا لَكَ، وَلَوْ قَدْ وَلَّيْتَ عَنْهَا لَقَدْ رُفِعَتْ، فَلَمْ يَزَلْ يُطْرِيهَا فِي عَيْنِهِ حَتَّى أَخَذَ مِنْهَا تُفَّاحَةً فَعَضَّهَا، فَلَمَّا عَضَّهَا عَضَّ عَلَى يَدِهِ

فَقَالَ : تَعْرِفُهُ؟ هَذَا الَّذِي أَخْرَجَ أَبَاكَ مِنَ الْجَنَّةِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَلَّمْتَ بِهَذَا الَّذِي كَانَ مَعَكَ لَأَكَلَ مِنْهُ أَهْلُ الدُّنْيَا قَبْلَ أَنْ يَنْفُدَ، فَهُوَ مَجْهُودُكَ أَنْ يُبَلِّغَكَ، فَكَانَ مَجْهَوَدَهُ أَنْ بَلَّغَهُ،

وفاة حائد.

فَأَقْبَلَ حَائِدٌ حَتَّى دَخَلَ أَرْضَ مِصْرَ، فَأَخْبَرَهُمْ بِهَذَا فَمَاتَ حَائِدٌ بِأَرْضِ مِصْرَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ ”

المصدر.

[ كتاب العظمة لأبي الشيخ الأصبهاني، ١٤٢٤/٤ ]

إن كان بما نقلت خطأ فمن نفسي وإن كان صواب فهو من عند الله ، وما يخالف كلام الله ورسوله صلى اللّٰه عليه وسلم اضربوا به عرض الحائط.

ترك الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *