الملكة بلقيس كانت من الجن.

قال الكسائىّ قال كعب : هى بلقيس بنت ذى شرح ، وهى متولدة من الإنس والجنّ.
وأمها عميرة بنت ملك الجن.
وكان لاتصال ذى شرح والد بلقيس بعميرة بنت ملك الجن سبب عجيب نذكره على ما حكاه الكسائىّ،

قال : أهلك الله تعالى مساكن سبأ بسيل العرم، ( وله ذكر إن شاء اللّٰه )
قال : فلما انقرضوا وأبادهم الفناء توارثها بعدهم جماعة من الملوك ليس هذا موضع ذكرهم، حتى انتهى الملك إلى رجل فظّ غليظ يقال له شراحى الحميرى.

و كان من عادته مع قومه أنه افترض على أهل مملكته فى كل أسبوع أن يأتوه بجارية من بناتهم فيفتضها ثم يردها إلى أهلها.

و كان ذو شرح وزيره و هو من أبناء ملوك حمير من ولد سبأ، و كان لذى شرح ألف قصر و ألف فرس عتيق وألف سيف يمان،.

كما كان يرجع الى حسن و جمال و عقل ، و كان مولعا بالصيد ، فكانت الجن تتصور له فى صورة الظبى، فإذا صادهم وهم بذبحهم كلموه
وقالوا له : لا تعجل فإنا إنما جئنا لننظر الى محاسن وجهك . وكانت الجن تؤذى أهل اليمن، فأقسم ذو شرح أن يقتل ملك الجن و يتزوج بابنته.

قال : وكان اسم ملك الجن عمير، و كان حسن الوجه، وابنته عميرة.
فمر ذو شرح ذات يوم فى واد من بلاد اليمن كثير الأشجار فنزل به، حتى جنة الليل، وكان فى جمع قليل من أصحابه، وكان الوادى الذى نزل به من مساكن الجن.

فلما مضى بعض الليل سمع همهمة الجن.

فقام ونادى : يا معشر الجن قد نزلت بكم الليلة على أن تضيفونى فإنى جار لكم، فأسمعونى من أشعاركم..

قال : فأنشدته الجن من أشعارها، وجاءته عميرة بنت عمير ملك الجن على أحسن صورة.

فلما نظر إليها ذهل عقله من حسنها، و غابت عن عينه فشغف بحبّها
فقال : يا معشر الجن، إن أنتم زوجتموها منى وإلا كنت حربا لكم ما عشت أبدا.

فنادوه : يا ذا شرح، إنك آدمى فكيف تقاتل الجن ومسكنهم الهواء وظلمات الأرض! مهلا أيها الآدمى لا تعرّض نفسك الى ما لا تقدر عليه وارجع، فإن قدر لك أمر فسوف تناله.

فلما سمع ذلك أيس من التزويج وأخذ فى مستأنف أمره فى مؤالفة الجن، فكان يهاديهم بما يصلح لهم من الهدايا، فصافاه عمير ملك الجن وآخاه وألفه حتى صار عنده كالأخ.

فلما رأى ذلك ذو شرح وأنه قد تمكن من ملك الجن
قال له : هل لك أن تزوجنى ابنتك عميرة ليكون لى فى ذلك شرف الى الممات! فرغب فيه عمير ملك الجن لحسنه وجماله وشرفه وماله؛ فزوجه ابنته بحضرة سادات الجن.

 

وانصرف ذو شرح الى مدينة سبأ وأهدى هدايا كثيرة الى ملك الجن وسادات قومه، ثم زفت إليه فوطئها فحملت منه..

ميلاد بلقيس وكيف كان وسبب ملكها..

قال : وولدت عميرة بنت ملك الجن بلقيس بنت ذى شرح على أحسن ما تكون من الصور، ثم ماتت أمها بعد ذلك بقليل، فربّتها الجن فلما بلغت مبلغ النساء.

قالت لأبيها : إنى كرهت المقام عند الجن فاحملنى الى بلاد الإنس فإنهم أحب إلى.

فقال لها : إن للإنس ملكا ظالما وذكر لها سنته فى بلاد قومه، وأنه يفتضالأبكار ثم يردّهن الى أهلهن.

قالت : لا تخش ذلك علىّ وانقلنى، وسترى ما يكون منى.
فبنى لها قصرا خارج مدينة سبأ من أعظم ما يكون من الأبنية،

واتخذ لها عريشا من العاج والآبنوس والذهب والفضة، ونقلها الى القصر واتخذ لها أوانى الجوهر..

فأقامت بلقيس فى قصرها زمنا طويلا،.

وانتشر خبرها إلى ملك سبأ، فركب فى موكبه حتى وقف على باب القصر ورأى حسن بنائه، فرجع وأرسل بجارية من جواريه إلى بلقيس،.

فدخلت عليها ونظرت إليها وإلى ما فى قصرها من التّحف العظيمة وما عندها من جوارى الإنس والجن، فعادت إلى الملك وأخبرته بما هى عليه من الجمال وأنها ابنة وزيره..

فأحضره وأنكر عليه وقال: كيف اتخذت مثل هذا القصر ولك مثل هذه البنت وأنت وزيرى ولم تعلمنى ولا استأذنتنى فى بنائه!..

فقال : أيها الملك، أما القصر فإنى أنفقت عليه المال الذى ورثته من أبى.

وأما البنت فإنها ابنة عميرة بنت ملك الجن، ورغبت فى السكن فى بلاد الإنس، فحملتها الى هذا المكان، فهذه قصتها.
فقال : صدقت فزوجنيها ولابد من ذلك.
فقال : أحتاج فى ذلك إلى إذنها.
قال : استأذنها.
فجاء اليها وقال : يا بنية، قد وقعت فيما كنت أخشاه عليك، وذكر لها مقالة الملك.
فقالت : زوّجنى منه ولا تخف، فإنه لا يصل إلى.

فزوّجها منه بحضور أكابر أهل المملكة.
ولما تمّ التزويج كتب الملك كتابا إليها يقول : إنى قد عشقت اسمك قبل أن أنظر إليك، فإذا قرأت هذه الرقعة فعجلى بحضورك إلى.

فكتبت إليه : إنى لمشتاقة إلى وجهك أشوق منك إلى، غير أن قصرى هذا هو من بناء الجن، وفيه عجائب كثيرة، وقد جمعت فيه ما لا يصلح إلا لمثلك.
فإن رأيت أن تتحول إلى قصرى فافعل.
فلما ورد جوابها عليه ركب لوقته فى حشمه وجنوده وسادات قومه.
فبلغ بلقيس فقالت لأبيها : امض إلى الملك وقل له :
إن ابنتى من بنات الجن ولم تنظر قط الى مثل هذه الجنود، ففرق هؤلاء وادخل إليها منفردا.

فقال ذلك للملك، ففرق جنوده وأتى إليها بمفرده، ودخل القصر وله سبعة أبواب.

وكانت بلقيس قد جعلت.

عند كل باب جارية من بنات الجن من أحسن ما تكون من النساء، وفى أيديهن أطباق الذهب فيها الدنانير والدراهم والطيب،.

وأمرتهن أن ينثرن ذلك على الملك. فلما دخل توهم أنّ كل واحدة منهن امرأته وهم بالنزول عليها، فتقول : أنا خادمتها وهى أمامك، حتى انتهى إلى آخر الأبواب،.

فتقدمت إليه جارية وأصعدته إلى العرش ، فنظر الى القصر وما فيه من الآلات والزينة، فرأى ما لم يخطر بباله.
ثم أقبلت بلقيس والجوارى بين يديها ينثرن على الملك من أنواع النثار وعلى رأسها تاج، فصعدت على عرشها..

فلما رآها الملك فتن بها وكاد يذهل عقله.

وأخذت فى مخادعته وملاعبته، ثم أمرت بالطعام فأحضر بين يديه.
فآمتنع من الأكل وقال : ما أريد أن أغفل عن وجهك.
فأمرت بإحضار الشراب فأتى به فى آلات الجوهر النفيس.
وأخذا فى الشرب، فلم تزل به حتى أسكرته وغاب عن عقله ووقع على قفاه لا يعقل من أمره شيئا.

فذبحته بلقيس، ثم دعت بأبيها وأعلمته بما فعلت.
ففرح وكتب إلى خزان الملك عن الملك : إنّى قد أحببت النزول بهذا القصر فأجمعوا ما فى الخزائن من الأموال وأنفذوه إلى عندى .
فجمعوا الأموال وأنفذوها الى القصر.

ثم أمرت بعد ذلك باتخاذ الأطعمة فصنعت ودعت سادات ملوك اليمن.
فلمّا جلسوا قدمت إليهم الأطعمة فأكلوا، ثم قدم إليهم الشراب فشربوا. فلما أخذ منهم أشرفت بلقيس عليهم.

وقالت : إن الملك يأمركم أن توجهوا إليه بنسائكم وبناتكم. فغضبوا
وقالوا : أما يكفيه أنه فضح بنات العرب حتى طمع فينا نحن!..

فقالت لهم : لا تغضبوا حتى أرجع إليه وأعرفه غضبكم.
ثم أمرت أن يعاد عليهم الشراب ثانيا فشربوا ساعة، فعادت إليهم وقالت :
قد أخبرت الملك بغضبكم ومقالتكم فقال: لابد من ذلك.
فازداد القوم غضبا وصاحوا.
فقالت : على رسلكم حتى أراجعه وأسأله.
ومضت وعادت فقالت :
إنى عدت الى الملك فوجدته قد نام، فما رأيكم فى أمر أفعله وأريحكم مما أنتم فيه من شره على أن تملكونى على أنفسكم؟ قالوا نعم.
فحلفتهم على ذلك وأخذت عليهم العهود والمواثيق، وغابت ساعة وعادت ومعها رأس الملك فألقته إليهم، ففرحوا بذلك واستبشروا وملكوها عليهم.
فملكت بضع عشرة سنة حتى بعث الله سليمان نبيا.

إجتهدت فنقلت وحللت فإن كان بما ذكرت خطأ فمن نفسي و إن كان على صواب فهو من عند الله ، وما يخالف كلام الله ورسوله صلى اللّٰه عليه وسلم اضربوا به عرض الحائط ،
ويبقى العلم عند ربي علام الغيوب.

ترك الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *